أبى العيش الحسني أن ينزل له عنها لتكمل له بذلك السيطرة على رأس العدوة، فأبى، فحاصره الأسطول وضيق عليه حتى أذعن، وأجاب الناصر إلى ما طلب، وانتقل مع إخوته وبني عمه من الأدارسة إلى مدينة البصرة وثغر أصيلا تحت طاعة الناصر (١).
وبادر زعماء البربر من الأدارسة وزنانة إلى طاعة الناصر ومهادنته، وامتدت دعوته إلى فاس. وبعث إليه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة يطلب محالفته والدخول في طاعته، فأجابه عبد الرحمن إلى رغبته، وأمده بالأموال والهديا، وقوى أمره في المغرب. وفي سنة ٣٢١ هـ (٩٣٣ م) استطاع موسى أن يهزم جيشاً أرسله عبيد الله الفاطمي لغزو المغرب، والقضاء على دعوة الناصر، بقيادة قائده ابن يصل عامل تاهرت. ثم توفي عبيد الله في العام التالي. وفي سنة ٣٢٣ هـ سير ولده الخليفة القائم إلى المغرب حملة أخرى، بقيادة ميسور الصقلبي، فضيق على موسى وطارده حتى الصحراء، واستولى الأدارسة حلفاء الفاطميين على مملكته.
وبعث الناصر لإنجاده إلى شواطىء العدوة أسطولا قوامه أربعون سفينة بقيادة أمير البحر عبد الملك بن أبي حمامة، سار إلى سبتة، تم تقدم إلى مليلة فافتتحها، ثم افتتح نكور وجراوة، فقويت نفس موسى، واستقل نوعاً من عثرته، وانسحب الفاطميون إلى الداخل، وقضى الأسطول في غزواته هذه ستة أشهر، ثم عاد إلى قواعده في ألمرية.
وجازت جيوش عبد الرحمن وأساطيله بعد ذلك مراراً إلى المغرب، لمحاربة الفاطميين وحلفائهم من الأدارسة وغيرهم من أمراء البربر، واضطر الأدارسة في النهاية إلى طلب الصلح من عبد الرحمن والاعتراف بطاعته (٣٣٢ هـ)، ودعى لعبد الرحمن على منابر المغرب، واستقرت دعوته هنالك مدى حين، ولكن سلطانه فيما وراء البحر لم يكن ثابت الدعائم، وكان رهيناً بقيام دولة الأمراء المحالفين له.
ولما تولى المعز لدين الله رابع الخلفاء الفاطميين الملك، وبدت الدولة الفاطمية في أوج قوتها في إفريقية، وأخذت أساطيلها القوية تزعج الدولة البيزنطية، بغزو
(١) ابن حيان - السفر الخامس - لوحة ١٢٥ أوب، والاستقصاء ج ١ ص ٨٥.