للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شواطىء قلورية (١) في جنوبي إيطاليا، كان خطر غزو الفاطميين للأندلس يلوح قوياً في الأفق. والظاهر أن هذه الفكرة لم تكن بعيدة عن ذهن المعز، بل يبدو فوق ذلك أن حكومة قرطبة وقفت على بعض وثائق تؤيد هذه النية. وفي سنة ٣٤٤ هـ (٩٥٥ م) سارت بعض السفن الفاطمية وهاجمت ثغر ألمرية، وأحرقت ما فيه من السفن، وعاثت في ألمرية. فرد عبد الرحمن بأن أرسل قوة بحرية بقيادة أمير البحر غالب، إلى شواطىء إفريقية (تونس)، فعاثت فيها، وأمر عبد الرحمن في الوقت ئفسه بلعن الشيعة والفاطميين على منابر الأندلس. ثم عاد بعد ذلك بثلاثة أعوام، فسير أسطوله ثانية إلى إفريقية بقيادة أحمد بن يعلي، تهديداً للقوات الفاطمية، التي زحفت بقيادة جوهر الصقلي حذاء الشاطىء إلى عدوة المغرب، وكان المعز قد سير قائده جوهراً في سنة ٣٤٧ هـ، في جيش عظيم إلى المغرب الأقصى، ومعه زعيم صنهاجة زيري بن مناد في قواته، فاجتاح شمالي المغرب الأقصى كله حتى المحيط، ونازل فاس واقتحمها عنوة. وكان الناصر يرقب تقدم الفاطميين على هذا النحو في أراضي العدوة بجزع، ويجعل أساطيله على أهبة دائمة. وعبرت في نفس الوقت حملة أندلسية أخرى من طريق سبتة إلى المغرب، ولبثت هنالك حتى ارتد الفاطميون أدارجهم (٢).

ويقدم إلينا ابن حيان بقلمه البليغ تلك الصورة عن تقدير الناصر لأهمية عدوة المغرب في الدفاع عن الأندلس، ومقاومة الدعوة الفاطمية:

" لم تزل نفس الخليفة الناصر لدين الله، منذ استولى على أمر الملك، واعين النصر، وسلط على أهل الخلاف، دروباً على ما سخر له من ذلك، ظمؤا إلى درك اقصاره، متخطياً موسطته إلى نهايته، معملا فيه رؤيته، موقظاً له فكرته، تأمل هذا الفرج في ساحل البحر الرومي ... مجاورة جبل البرابر الحالّين بلاد المغرب لملكتهم لعدوتهم الراكبة لعدوة بلد الأندلس، تكاد عدوتهما تتراءى لضيق بحر الزقاق الحاجز بينهما، وسهولة مرامه أى أوقات الزمان رؤى


(١) وهي بالإفرنجية Calabria.
(٢) ابن خلدون ج ٤ ص ١٣٨ و١٤١؛ وابن الأثير ج ٨ ص ١١٩؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٦٩؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٢١٩ و٢٢٠ و٢٢٥ و٢٣٧، ٢٣٨؛ وراجع Dozy: Hist., Vol.II.p. ١٦٤ & ١٦٥

<<  <  ج: ص:  >  >>