ركوبه. فمنه طرقت الأندلس في الزمان الخالية، واكتسب أهلها المخافة، فدعته همته العلية، وفكرته المصيبة، إلى التوقل إلى تلك الباغية المرهوبة، والسمو لتلك العورة المكشوفة، وذلك عند ما كشف عند يكنف ذلك الساحل الغربي من طنجة الفتنة، وضع ما كان أوهته من صدع الفرقة، وملك مفتاح الجزيرة الخضراء فرضة الأندلس الدنيا، الراكبة فتح ذلك البحر المرهوب، المحاضية لضرتها مدينة سبتة فرضة المجاز من بلد العدرة. فاذكى نظر عينه ما كان منبثاً بخاطره من الرهبة، فأرهف العزم، وألطف الحيلة، وابتدئ ففتح ذلك بمخاضة من تقدمت له بأسلافه ملوك بني أمية من أمراء تلك البلاد في وصلة أو سلفت بينهم أصرة، يستثير وصايلهم، ويصل أحبلهم، ويستدعي ولايتهم، ويسبب ذلك ما شاء مهاداتهم، واكرام أسبابهم، وقضاء حوايجهم، فلم يلبث أن هويت إليه أفئدة كثير منهم، وزعمايهم بين مصحح في ولايته، مستجيب لدعوته، مغتنم لعطيته. مستعين بقوته على مدافعة من قد هد ركنه من بني عبيد الله إمام الشيعة المقتحم أرضه عليه ودونه، وبين منافق مقيم لسوقه بينه وبين تلك الشيعة، منذ بدت بينها العداوة، مايل مع الدولة، مجتلب لعاجل ما استمسك به من الرشوة.
" استوى للناصر لدين الله من الطائفتين أولياء قاموا بدعوته، ورفعوا فوق أعلامه، وعاطوا مضطهدا، عبيد الله الشيعي صاحب إفريقية بدعوته، وقلبوا مجانهم إليه، ونصبوا الحرب لرجاله، فكفكفوهم عن الإيغال في بلدتهم من قاصية المغرب، يهطنونهم بالكيد والمكر، فتمكنت بذلك قدم الناصر لدين الله، فيما حازه من مدينة سبتة والقطعة التي استضمها إليها من أرض العدوة، واجتذب من أجله كثيراً من فرسان البربر وحماة رجالهم إلى حضرته، استعان بهم في حروبه، وتمكن من ذلك من ارتياد عتاق الخيل بوادي البربر، واستنتاجهم الفاضل لبراذين الأندلس، فمتنت بذلك أسباب ملكه، وجل مقداره، وبعد صيته، وهابته ملوك الأمم حوله، وظهرت نتيجة ما عاتاه من مواصلة أمراء البربر، وسعى لهم سعيه لصدر دولته الفاضلة، سنة سبع عشرة وثلث مايه وما يليها، إذ ترددت فيها عليه كتب محمد بن خزر عظيم أمراء زنانة في وقته، وأنفرهم عن عبيد الله الشيعي، وأدناهم من داره، وأول من تناوله الناصر