للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على نبيه محمد الكريم. أبا بعد فإنا أحق من استوفي حقه، وأجدر من استكمل حظه، ولبس من كرامة الله تعالى ما ألبسه، فنحن للذي فضلنا الله به، وأظهر أثرتنا فيه، ورفع سلطاننا إليه، ويسر على أيدينا دركه، وسهل بدولتنا مرامه، وللذي أشاد في الآفاق من ذكرنا، وأعلى في البلاد من أمرنا، وأعلن من رجاء العالمين بنا، وأعاد من انحرافهم إلينا، واستبشارهم بما أظلهم من دولتنا إن شاء الله، فالحمد لله ولي الإنعام بما أنعم به، وأهل الفضل بما تفضل علينا فيه. وقد رأينا أن تكون الدعوة لنا بأمير المؤمنين، وخروج الكتب عنا وورودها علينا بذلك - إذ كل مدعو بهذا الإسم غيرنا، منتحل له، ودخيل فيه، ومتسم بما لا يستحقه منه، وعلمنا التمادي على ترك الواجب لنا من ذلك حق أضعناه، واسم ثابت أسقطناه، فمر الخطيب بموضعك، أن يقول به، وأجر مخاطبتك لنا عليه إن شاء الله. والله المستعان. وكتب يوم الخميس لليلتين خلتا من ذي الحجة سنة ٣١٦ " (١).

وهكذا اتخذ عبد الرحمن سمة الخلافة عن يقين بأفضليته، وأولوية حقه وحق أسرته، وتسمى بأمير المؤمنين الناصر لدين الله، وذلك في الثاني من شهر ذي الحجة سنة ٣١٦ هـ (يناير سنة ٩٢٩ م) فكان أول أمير من بني أمية بالأندلس ينعت بأمير المؤمنين. وبدأت الدعوة من ذلك الحين لبني أمية بألقاب الخلافة في الأندلس والمغرب الأقصى، ونقشت ألقاب الخلافة على السكة. ويضع بعض المؤرخين اتخاذ لقب الناصر لسمة الخلافة في سنة (٣٢٧ هـ) أى بعد وقوعه بنحو عشرة أعوام، وهو تحريف واضح تنقضه وثيقة الدعوة الرسمية (٢).

- ٥ -

وكان من أبرز الحوادث الداخلية في عصر الناصر، حركة الفيلسوف المتصوف ابن مَسَرَّة الجبلي، واهتمام الناصر بمقاومتها وقمعها، وذلك حتى بعد أن توفي زعيمها بأعوام طويلة، وإصدار كتابه الشهير في شأنها.


(١) يضع ابن حيان اتخاذ الناصر لسمة الخلافة في حوادث سنة ٣١٦ هـ والدعاء له بها، حسبما تقدم في مستهل ذي الحجة من هذه السنة، ويلخص في كلامه نص الوثيقة (السفر الخامس - لوحة ٩٩ أ). وقد اعتمدنا في نقل الوثيقة الخلافية على ما ورد في الأوراق المخطوطة الخاصة بعهد الناصر، ص ٧٨ و٧٩، والبيان المغرب ج ٢ ص ٢١٢.
(٢) هذه رواية ابن الأثير (ج ٨ ص ١٧٨) وكذلك ابن خلدون (ج ٤ ص ١٣٧).
والظاهر أن أصحاب هذه الرواية لم يطلعوا على وثيقة الدعوة التي أثبتنا نصها.

<<  <  ج: ص:  >  >>