للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطاير فرخه، فلا يبعد أن يلفته عن رأيه، ويشككه في اعتقاده ... ويحصله في اتباعه، فاستهوى خلقاً من الناس، صدّهم عن سبيل الله، وأوحشهم من الجماعة، واتخذ من رأى غيهم في مذهبه وايمة دخل في عرضهم رجال من ذوي الفهم. ولم يزل يستظهر عليهم بالمواثيق في الكتمان إلا من الثقات الوثاق العقدة، فاكتتم بذلك شأنه، إلى أن عاقصته منيته، صدر دولة الناصر لدين الله، أيام شغله بحروب أهل الخلاف المتصلة. فرفع الله بموته عن الناس فتنة، ولم يلبث دعاته مع انتشارهم في البلاد أن تلبسوا بعده بما أودعه من مكنون علمه، فكثر القول في شأنه، وشيم أهل الخلاف من تلقايه، فذعر له أهل السنة من أهل قرطبة، وتوقعوا منه البلية، ففزع فقهاؤهم وكبراؤهم بها إلى أصحاب الخليفة الناصر لدين الله فنبهوا ... " (١).

ومضت أعوام طويلة، قبل أن تصل أصوات أهل السنة المعارضين لتعاليم ابن مسرة إلى المسئولين، ولم يصدر قرار السلطة العليا في شأنه وشأن تعاليمه، إلا بعد أن مضى أكثر من عشرين عاماً على وفاته، مما يدل على أن دعوته وتعاليمه لبثت حية ذائعة. قال ابن حيان:

" وفي يوم الجمعة لتسع خلون من ذي الحجة سنة أربعين وثلاث ماية، قرئ على الناس بالمسجدين الجامعين بالحضرتين، قرطبة والزهراء، كتاب أمير المؤمنين الناصر لدين الله إلى الوزير صاحب المدينة عبد الله بن بدر، بإنكاره لما ابتدعه المبتدعون، وشذ فيه الخارجون، من رأي الجماعة المنتمون إلى صحبة محمد بن عبد الله بن مسرة، وانتحلوه في الديانة، فافتتن العوام بما أظفره من التقشف والشظف في المعيشة، واستتروا لبدعهم بسكنى الأطراف البعيدة، حتى استمالوا بفعلتهم عصابة ... وفرقة، فتنت بمذاهبهم، وأن ذلك بلغ أمير المؤمنين، ففحص عليه، وعلم صحته، فتعاظمه، واستوحش من اجتراء تلك الطايفة الخبيثة عليه، فأوعز إلى وزيره ومتولي أحكامه ومدينته، تتبع هذه الطائفة، وإخافتها والبسط عليها، والقبض على من عثر عليه منها، وإنهاء خبره إلى أمير المؤمنين ".

وأورد لنا ابن حيان بعد ذلك، نص الكتاب الذي صدر باسم الخليفة


(١) مخطوط ابن حيان (السفر الخامس من المقتبس) المحفوظ بالخزانة الملكية. وقد حالت خروم المخطوط دون ظهور بعض الكلمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>