للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحافظة على حرمة بيوته، التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ولما دعاه على ذلك من تقبل عظيم الأجر، وجزيل الذخر، مع بقاء شرف الأثر، وحسن الذكر، فتم ذلك بعون الله، في شهر ذي الحجة سنة ست وأربعين وثلث مائة على يد مولاه ووزيره وصاحب مبانيه عبد الله بن بدر، عمل سعيد بن أيوب " (١).

- ٢ -

تولى عبد الرحمن الناصر عرش مملكة تفاقمت من حولها الخطوب، واستنفدت مواردها الثورة، فتداركها بعزمه وقوة نفسه، واستطاع أن يسحق خصومها في الداخل والخارج، في سلسلة طاحنة من الحروب والغزوات المستمرة، وأن يوطد دعائمها وأن يخضع الجزيرة لصولتها، وأن يكفل لها الأمن والسكينة والرخاء.

ولم يفت الناصر منذ البداية أن الجيش عماد الدولة وسياج الملك، فعكف على إصلاح الجيش الذي أضناه الكفاح ضد الثورة، وحشد له الجند من سائر أنحاء الأندلس والمغرب، واستكثر من الأسلحة والذخائر، وصقلت الحروب والغزوات المستمرة كفاية الجيش ودربته، وأمدته بطائفة من أمهر القادة وأشدهم بأساً، ورفعت القوة المعنوية بين الصفوف، وكان إقدام الأمير على تولي القيادة بنفسه مجدداً لعهد الحماسة الحربية والانتصارات الباهرة. وعنى عبد الرحمن في الوقت نفسه بأمر الأسطول وإصلاحه، فأنشأ له وحدات جديدة قوية. وكانت ألمرية عندئذ مركز الأسطول الأندلسي الرئيسي، وبها أكبر دار للصناعة.

وبلغ الأسطول في عهد الناصر زهاء مائتي سفينة مختلفة الأنواع والأحجام، وهذا عدا الأسطول المخصص لشئون المغرب البحرية، وقد كان يضم كذلك عدداً كبيراً من السفن. وهكذا كان أسطول الأندلس في ذلك العهد من أقوى الأساطيل يومئذ، وكان بضخامته وأهباته، يسيطر على مياه إسبانيا الجنوبية والشرقية، وينازع الفاطميين سيادة الشق الغربي من البحر المتوسط.

وكان عهد الناصر بالرغم من استمرار الحروب والغزوات، كما قدمنا عهد رخاء ويسر، توطدت فيه مالية الدولة وامتلأت خزائنها بالأموال الوفيرة، وزاد الخراج والدخل زيادة عظيمة باستتباب السكينة والأمن، وازدهار الزراعة والتجارة والصناعة، وكثرة الأخماس والغنائم. وإن فيما احتوته الزهراء من القصور


(١) راجع الآثار الأندلسية الباقية لمحمد عبد الله عنان (الطبعة الثانية) ص ٢٠ و٢١ و٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>