للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنشآت الباذخة، وما بذل لإقامتها من النفقات مدى أعوام طويلة، لما يستوقف النظر، ويحمل على تأمل ذلك المدى المدهش الذي بلغته الدولة الأموية بالأندلس في عهد الناصر من القوة والضخامة والغنى. وقد انتهت إلينا في ذلك أرقام مدهشة، منها أن جباية الأندلس بلغت في عهد الناصر من الكور والقرى خمسة آلاف ألف وأربعمائة ألف وثمانين ألف دينار، ومن السوق والمستخلص سبعمائة ألف وخمسة وستين ألف دينار، هذا عدا أخماس الغنائم التي لا تحصى. وقيل إن الناصر خلف عند وفاته في بيوت الأموال ما تبلغ قيمته خمسة آلاف ألف ألف (خمسة آلاف مليون) دينار. وكان يقسم الجباية من أجل النفقة إلى ثلاثة أثلاث: ثلث لنفقة الجيش، وثلث للبناء والمنشآت العامة، وثلث يدخر للطوارئ (١). ولم يتردد المؤرخ الحديث في قبول هذه الأرقام حتى أن العلامة دوزي ينقلها، ويقدر أن الناصر ترك عند وفاته في بيت المال عشرين مليوناً من الذهب (٢). ويقول لنا ابن حوقل الرحالة البغدادي الذي زار قرطبة في هذا العهد، إن الناصر كان أغنى ملوك عصره، وإنه وبني حمدان ملوك حلب والجزيرة أغنى ملوك العالم في ذلك العصر (٣). وهذه أرقام وروايات تشهد بضخامة الدولة الأموية وغناها الطائل في عصر الناصر، وتفسر لنا كيف استطاع الناصر إلى جانب حروبه وغزواته، أن يضطلع بكثير من المنشآت العظيمة.

هذا، وقد كان مما عنى به الناصر تنظيم العملة، وتثبيتها، فأمر في سنة ٣١٦ هـ، باتخاذ دار السِّكة داخل مدينة قرطبة لضرب العين من الدنانير والدراهم، فاتخذت هناك على رسمه، وولى خطتها أحمد بن محمد بن حدير، وذلك في ١٧ من شهر رمضان من هذه السنة، فقام بالضرب فيها من هذا التاريخ، من خالص الذهب والفضة، وبذل جهده في الاحتراس من المدلسين، فأصبحت دنانيره ودراهمه عياراً محضاً. وقد كان ضرب النقد معطلا قبل الناصر، وكان لهذا الإجراء أثره في تثبيت العملة واستقرار التعامل (٤).


(١) نفح الطيب ج ١ ص ١٧٧، والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٤٧، وأعمال الأعلام ص ٣٨.
(٢) Dozy: Hist.Vol.II.p. ١٧٨
(٣) ابن حوقل، المسالك والممالك ص ٧٧.
(٤) ابن حيان - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية لوحة ٩٩ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>