للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنان بالمسيح الملكان العظيمان ملكا الروم " (١)، وفي سطر آخر صيغة التوجيه:

" العظيم الإستحقاق للفخر، الشريف النسب عبد الرحمن الخليفة، الحاكم على العرب بالأندلس، أطال الله بقاءه ". وذكر لنا ابن جُلجل أن ملك الروم كتب إلى الناصر في شأن كتاب ديسقوريدس أنه لا تجني فائدته إلا بواسطة شخص يجيد اليونانية، وأنه لم يكن في قرطبة يومئذ من يحسن هذه اللغة، وأن الناصر كتب في خطابه إلى " أرمانيوس " فيما بعد، أن يرسل إليه برجل يتكلم اليونانية واللاتينية، فبعث إليه براهب يدعى نيقولا، فحظى عند الناصر، وتوفر على تفسير كتاب ديسقوريدس وشرح محتوياته لأطباء قرطبة. وأما كتاب أورسيوس المكتوب باللاتينية فقد كان في بلاط قرطبة من يجيدها (٢). وكان الناصر قد أمر أن يخطب الأعلام في ذلك الحفل، وأن يعظموا من شأن الإسلام والخلافة، وأن يشكروا نعمة الله على ظهور دينه، وإعزاز كلمته، وذلة أعدائه، واستعد بعض الخطباء لذلك، ولكن بهرهم هول المجلس فوجموا وأرتج عليهم القول، وكان منهم اللغوي الكبير أبو علي القالي وافد العراق وضيف الخليفة - وكان قد وفد على الأندلس في سنة ٣٣٠ هـ، ندبه الناصر لذلك تكريماً له وتقديراً لبلاغته، ولكنه ما كاد يبدأ خطابه، حتى بهت وتلعثم ثم صمت؛ فعندئذ نهض الفقيه منذر بن سعيد البلوطي دون استعداد ولا سابق توقع، وارتجل خطاباً بليغاً ضافياً يشيد فيه بعهد الناصر ومآثره، ثم أعقبه بقصيدة في نفس المعنى (٣)، فأثار بذلاقته وثبت


(١) رومانين هو رومانوس الثاني ابن قسطنطين السابع، وقد حكم بعد أبيه من سنة ٩٥٩ إلى سنة ٩٦٣ م. وتسميه الرواية الإسلامية " أرمانيوس ".
(٢) راجع رواية ابن جلجل المشار إليها في طبقات الأطباء ج ٢ ص ٤٤٧.
(٣) نقل المقري عن ابن حيان وغيره، نص الخطاب الذي ألقاه منذر بن سعيد في ذلك الحفل. وإنه ليصعب علينا متى تأملنا عباراته المنمقة، وسجعاته المرتبة، وما يتخلله من ضروب البيان والبديع، أن نصدق أنه خطاب مرتجل ألقي عفو الساعة. ولعله صورة منقحة منمقة للخطاب الأصلي. وقد رأينا أن ننقل فقرات من ذلك الخطاب تتناول عهد الناصر بشيء من الوصف والتحليل.
جاء في الخطاب بعد الديباجة ما يأتى:
" وإنب أذكركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم بخلافة أمير المؤمنين، التي لمت شعثكم، وأمنت صربكم ورفعت قوتكم، بعد أن كنتم قليلا فكثركم، ومستضعفين فنصركم، ولاه الله رعايتكم وأسند إليه إمامتكم، أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق، حتى صرتم، في مثل حديقة البعير من ضيق الحال، ونكد العيش والتقتير، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، وانتقلتم بين سياسته إلى تمهيد كنف العافية، بعد استيطان البلاء. أناشدكم الله معشر الملأ =

<<  <  ج: ص:  >  >>