ثم قال: " فأصبحتم بنعمة الله إخواناً، وبلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعواناً، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخير والبركات، وصارت وفود الروم وافدة عليكم، وآمال الأقصين والأدنين مستخدمة إليه وإليكم، يأتون من كل فج عميق وبلد سحيق " ثم قال: " فاستعينوا على صلاح أحوالكم بالمناصحة لإمامكم، والتزام الطاعة لخليفتكم، فإن من نزع يداً من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرق من الدين، فقد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين. وقد علمتم أن في التعلق بعصمتها والتمسك بعروتها، حفظ الأموال وحقن الدماء وصلاح الخاصة والدهماء، وأن بقوام الطاعة تقام الحدود وتوفى العهود ... فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به، فإنه تبارك وتعالى يقول (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، وقد علمتم ما أحاط بكم، في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين وصفوف الملحدين، الساعين في شق عصاكم، وتفريق ملأكم الآخذين في مخاذلة دينكم وتوهين دعوة نبيكم ... الخ. راجع خطاب ابن سعيد بأكمله في نفح الطيب ج ١ ص ١٧٢ - ١٧٣. (١) وقد نقل إلينا المقري عن المغرب لابن سعيد وغيره نبذة في ترجمة القاضي منذر بن سعيد البلوطي، وفيها أنه ولد سنة ٢٦٥ هـ، وبرع في علوم القرآن والسنة، وظهر بفصاحته وذلاقته وجزالة شعره، وكان الخطاب الذي ارتجله في مجلس الناصر لمناسبة استقباله لرسل ملك الروم بدأ ظهوره وشهرته، فولاه الناصر الصلاة والخطابة في مسجد الزهراء، ثم ولاه قضاء الجماعة بقرطبة. وتوفي سنة ٣٥٥ هـ. (راجع نفح الطيب ج ١ ص ١٧٤ و١٧٥ وكذلك قضاة قرطبة للخشني ص ١٧٥ و١٧٦).