للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما انصرف رسل قسطنطين، بعث الناصر معهم سفيراً هو هشام بن هذيل بهدية حافلة، ليؤكد المودة ويوثق عرى التحالف بين قرطبة وقسطنطينية، فعاد بعد سنتين وقد أدى سفارته خير أداء، وعادت معه رسل قسطنطين (١).

وتفيض الرواية الإسلامية في تفاصيل هذه السفارة إفاضة واضحة، ولكنها لا تلقى كبير ضوء على موضوعها وغايتها الحقيقية، وأكبر الظن أنها لم تكن إلا تجديداً لعلائق الدولة البيزنطية مع دولة الإسلام بالأندلس، وتوطيداً للصداقة القديمة التي رأى بلاط قسطنطينية أن يعقدها مع بلاط قرطبة منذ عهد عبد الرحمن ابن الحكم (٢) لتكون شبه تحالف ضد الدولة العباسية خصيمتهما المشتركة. وربما كانت ترى في الوقت نفسه إلى تنظيم الخطط المشتركة بين الدولتين، لمقاومة الدولة الفاطمية الفتية، التي بدأت تزعج البيزنطيين في أواسط البحر المتوسط، وتزعج حكومة قرطبة بتوغلها في المغرب الأقصى.

ثم توالت سفارات ملوك النصرانية بعدئذ على الناصر فوفدت عليه رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ الملك بيتر أو بطرس (٣)، فاحتفل بقدومهم كذلك وبعث معهم ربيعاً (ريفا) الأسقف سفيراً إلى ملكهم؛ ثم وفدت رسل ملك فرنسا وهو يومئذ لويس الرابع في طلب الصداقة والمودة، فأجابهم إلى ما طلبوا.

على أن أهم سفارة تلقاها الناصر يومئذ، هي سفارة أوتو الأكبر إمبراطور ألمانيا، وقد كان أوتو يومئذ زعيم النصرانية، كما كان عبد الرحمن الناصر زعيم الإسلام. وتشير الرواية الإسلامية إلى تلك السفارة في غموض وإيجاز، وتصف أوتو بملك الصقالبة أو ملك " اللمان " وتسميه " هوتوا " أو " هوتو " (٤)، ولكنها تتفق مع الرواية الفرنجية في تاريخ هذه السفارة وهو سنة ٣٤٤ هـ الموافقة سنة ٩٥٦ م.

ففي ذلك العام وفد على قرطبة سفير، وهو حبر يدعى يوحنا الجورزيني نسبة إلى الدير الذي ينتمي إليه في جورزني على مقربة من متز، وكان يوحنا من أكابر


(١) راجع في أخبار هذه السفارة البيزنطية: ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٢ و١٤٣، ونفح الطيب ج ١ ص ١٧٠ - ١٧٤؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٣٩. وراجع Aschbach: ibid,B.I.p. ٩٦-١٠٠
(٢) راجع " دولة الإسلام في الأندلس " القسم الأول ص ٢٨٢ - ٢٨٣.
(٣) هو بطرس بن سيمون الكبير ملك بلغاريا وقد كان يومئذ يعرف بملك الصقالبة.
(٤) راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٣؛ والبيان المغرب ج ٢ ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>