للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حزمه وصرامته وبعد نظره، بجده الأكبر عبد الرحمن الداخل (١). ويجمل ابن الأبار خواصه وخواص عصره في تلك العبارة: " وظهر لأول ولايته من يمن طائره، وسعادة جده، واتساع ملكه، وقوة سلطانه، وإقبال دولته، وخمود نار الفتنة على اضطرامها بكل جهة، وانقياد العصاة لطاعته، مما تعجز عن تصوره الأوهام " (٢). وتولى حجابته لأول ولايته مولاه بدر بن أحمد، وما لبث أن اصطفاه وأولاه كل ثقته، وفوض إليه الأمر والنهي، وجعله على حد قول المؤرخ " شمساً لملكه وبدراً " (٣). وولى أبناءه الثلاثة عبد الرحمن وعبد الله وإسماعيل مناصب في القصر والخاص. ولما توفي بدر بن أحمد في شهر رجب سنة ٣٠٩ هـ، ولى الناصر مكانه في الحجابة موسى بن محمد بن حُدير. وتولى وزارته عدة من أنبه رجال العصر، منهم أحمد بن محمد بن حُدير، وجَهْور بن عبد الملك، وعبد الله بن محمد الزجّالي. وتولى إدارة الشئون المالية عبد الملك بن جهور، وأحمد بن عبد الملك بن شُهَيد (٤). وأهدى ابن شهيد إلى الناصر هديته المشهورة، التي أفاض في وصفها مؤرخو الأندلس، وكان منها خمسمائة ألف مثقال من الذهب، ومائتا أوقية من المسك والعنبر، وثلاثون شقة من الحرير المرقوم بالذهب، ومائة فرس مسرجة، وعشرون بغلا عالية الركاب، وأربعون وصيفاً، وعشرون جارية بكسوتهن وزينتهن، وأصناف عديدة أخرى. قال ابن خلدون " وهي مما يدل على ضخامة الدولة الأموية واتساع أحوالها ". ويجمع مؤرخو الأندلس على أنه لم تقدم هدية في قدرها ونفاستها إلى ملك من ملوك الأندلس.

قدمها ابن شهيد إلى الناصر في سنة ٣٢٧ هـ، ومعها خطاب رقيق يشيد فيه بعظمة الناصر ومآثره، فوقعت لديه أحسن موقع، وزاده حظوة واختصاصاً، وأسمى منزلته على سائر الوزراء، وأسبغ عليه لقب ذي الوزارتين، فكان أول من حظى بهذا اللقب من وزراء الأندلس، وضاعف له رزق الوزارة، وجعله ثمانين ألف دينار في العام (٥). وولي قيادة الجيش لأول عهد الناصر أحمد بن محمد


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١٦٣.
(٢) الحلة السيراء (ليدن) ص ٩٩ - ١٠٠.
(٣) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٤٠.
(٤) البيان المغرب ج ٢ ص ١٦٤
(٥) راجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٣٨؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٦٦ و١٦٧ و١٧٧ نقلا عن ابن حيان وابن الفرضي وغيرهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>