ثم اتخذ المسلمون خطوة جديدة في سبيل التقدم إلى أواسط أوربا، فدفعوا بغزواتهم إلى بييمون ومونفراتو. وتقول لنا الرواية الكنسية المعاصرة إنهم وصلوا في أوائل القرن العاشر إلى حدود ليجوريا على شاطىء خليج جنوة. ويروي لوتبراند، وهو كاتب معاصر، أن العرب غزوا سنة ٩٠٦، مدينة " آكي " من أعمال مونفراتو الشهيرة بحماماتها (وهي على مقربة من تورينو)، ثم غزوها ثانية سنة ٩٣٥ بقيادة زعيم يدعى (ساجيتوس) ولكنهم هزمو ومزقوا. وفي هذا الوقت أيضاً نزلت جماعة قوية من البحارة الإفريقيين بساحل جنوة، وقتلت عدداً كبيراً من أهلها، وأسرت جموعاً كثيرة من النساء والأطفال.
وفي سنة ٩٣٩ م غزا المسلمون منطقة " فاليه " في جنوب سويسرة، ونهبوا دير " أجون " الشهير، وغزوا في الوقت نفسه منطقة " تارانتيز " من أعمال سافوا الوسطى، ثم اتخذوا منطقة " فاليه " قاعدة للإغارة على الأراضي المجاورة في سويسرة وإيطاليا، ونفذوا منها إلى أواسط سويسرة، ثم إلى " جريزون " في شرق سويسرة، ونهبوا دير ديزنتي أشهر وأغنى الأديار السويسرية، ونهبوا طائفة أخرى من الأديار والكنائس الغنية. وفي بعض الروايات أيضاً أن المسلمين وصلوا في غزواتهم إلى بحيرة جنيف، وجاوزوا إلى مفاوز جورا الواقعة في شمالها، وكانت سويسرة يومئذ من أقاليم بورجونية وملكتها يومئذ الملكة " برت " الوصية على ولدها الطفل كونراد، فارتدت حين اقتراب العرب إلى حصن ناء في جهة نيو شاتل.
وفي سنة ٩٣٠ م غزا العرب فريجوس وكانت يومئذ من أكبر وأمنع ثغور فرنسا الجنوبية، وغزوا أيضاً ثغر طولون، ففر السكان إلى الجبال، وعاث المسلمون في تلك الأنحاء، وخربوا المدن والحصون، وأحرقوا الأديار والكنائس.
ولما اشتدت وطأة المسلمين في جنوبي فرنسا، وبلغ السخط من غزواتهم وعيثهم ذروته، اعتزم سادة الجنوب، وعلى رأسهم هوج ملك بروفانس أن يبذلوا كل ما في وسعهم لسحق ذلك العدو المزعج. ورأى هوج أن يبدأ بافتتاح حصن فراكسنيه (فراكسنتم) الذي يمتنع به المسلمون، ويتخذونه قاعدة لتأمين مواصلاتهم مع اسبانيا وإفريقية، وقاعدة للإغارة على الداخل، وكتب إلى صهره إمبراطور