للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانتزعوا من بعض السادة أراضيهم، وأعلنوا أنفسهم سادة في الأنحاء المغلوبة، وبثوا الذعر والروع في جنوب بروفانس، حتى وصفهم كاتب معاصر " بأن واحداً منهم يهزم ألفاً، واثنين يهزمان ألفين " (١).

وكانت هذه أول خطوة في استعمار المسلمين لجنوبي فرنسا. وفي خاتمة القرن التاسع اتخذ المستعمرون المسلمون خطوة أخرى، فتقدموا نحو جبال الألب غرباً، وشمالا. وكانت مملكة آرل قد ضعفت واضمحلت، وخلف بوسون ولده لويس، ولكنه ذهب إلى إيطاليا ليحارب إلى جانب حلفائه فهزم هنالك وأسر، وتركت مملكته بلا دفاع، وساد الإنحلال والفوضى غاليس كلها. فانتهز المسلمون تلك الفرصة واخترقوا مفاوز دوفينه، وعبروا " مون سني " أهم ممرات الألب الفرنسية، واستولوا على دير نوفاليس الشهير الواقع في وادي " سيس " على حدود بييمون، وفر الأحبار إلى مختلف الأنحاء (سنة ٩٠٦ م). وأغار المسلمون على القرى والضياع المجاورة ونهبوها، وفتكوا بأهلها، وأسر بعضهم وأخذوا إلى تورينو بإيطاليا وسجنوا في ديرها، ولكنهم استطاعوا أن يحطموا أغلالهم، وأضرموا النار في الدير وفي المدينة، وفروا عائدين إلى زملائهم. واشتد بأس المسلمين في تلك الأنحاء، واحتلوا معظم ممرات الألب، فسيطروا بذلك على طرق المواصلة بين فرنسا وإيطاليا، ثم انحدروا من آكام الألب إلى سهول بييمون، وأغاروا على بعض مناطقها.

وفي سنة ٩٠٨ م نزلت سرية قوية من البحارة المسلمين في شاطىء بروفانس على مقربة من " إيج مورت " ونهبت دير بالمودي، وكانت الأديار والكنائس يومئذ مطمح أنظار الغزاة، لما كانت تغص به من الذخائر والأموال. وانتشر المسلمون بعد ذلك في جميع الأنحاء المجاورة، واجتاحوا كل ما في طريقهم من البسائط، وهاجموا مرسيليا، وهدموا كنيستها، وغزوا إيكس، وسبوا النساء وتزوجوا بهن ليكثر نسلهم ويقووا به، وانضم إليهم كثير من النصارى المغامرين من أهل هذه الأنحاء، وهجر السادة والأغنياء حصونهم وقصورهم، والتجأوا إلى الداخل خشية القتل والأسر، وأغلق المسلمون طريق الألب إلى إيطاليا، وكان يمر بها كل عام ألوف من الحجاج الذين يقصدون إلى رومة، واقتضوا منهم الضرائب الفادحة ليسمحوا لهم بالمرور.


(١) Reinaud: ibid, p. ١٦١

<<  <  ج: ص:  >  >>