للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرجح أن هذه الغزوة لم تكن ذات طابع رسمي، ولم تكن لها صلة بحكومة قرطبة. ذلك أن بني قسيّ زعماء الثغر الأعلى في ذلك الحين، كانوا يتمتعون باستقلال محلي، ولا يدينون بالولاء لحكومة قرطبة، وكانوا بالعكس ينزعون إلى مقاومتها والخروج عليها. وفي سنة ٨٦٩ م هاجمت جماعة من البحارة والمجاهدين المسلمين شواطىء بروفانس مرة أخرى، واستولت على جزيرة كاماراج الواقعة في مصب الرون، وأسرت أسقف آرل الذي كان يقيم بها، وعادت مثقلة بالغنائم والأسرى.

- ٢ -

وأذكى نجاح هذه الغزوات المتوالية، في نفوس المغامرين والمجاهدين من مسلمي الأندلس وإفريقية، حب التوغل في هاتيك الأنحاء، ورغبة في استعمارها والاستقرار فيها. وكانت أحوال غاليس (جنوبي فرنسا) قد اضطربت يومئذ، وغلب سيد من سادة هذه الأنحاء يدعى بوسون على ولايتي دوفينه وبروفانس، وتلقب بملك آرل. وقام يناوئه بعض منافسيه، ونشبت بينه وبينهم حرب أهلية (نحو سنة ٨٩٠ م). ففي تلك الآونة رست سفينة عربية صغيرة عليها عشرون بحاراً من المسلمين، في خليج جريمو أو خليج سان تروبيه، ونزلوا إلى الشاطىء ولجأوا إلى غابة كثيفة، تظلها الجبال، ثم هاجموا بعض الضياع القريبة وفتكوا بسكانها.

ولما رأوا منعة معقلهم من البر والبحر، عولوا على الاستقرار فيه، ودعوا إخوانهم من الثغور الإسلامية القريبة إلى القدوم، وأرسلوا في طلب العون والتأييد من حكومات الأندلس والمغرب، فوفد عليهم كثير من المغامرين البواسل. ولم تمض أعوام قلائل، حتى استقروا في ذلك المكان، وأنشأوا لهم سلسلة من المعاقل والحصون، أمنعها وأشهرها حصن تطلق عليه الرواية الفرنجية المعاصرة، اسم (فراكسنتم) Fraxinetum. والمظنون أنه هو المكان الذي تقوم عليه اليوم قرية (جارد فرينيه) Garde - Frinet الواقعة في سفح جبال الألب (١). وما زالت ثمة آثار تدل على قيام معاقل قديمة في ذلك المكان، ولما كثر جمعهم، واشتد ساعدهم، اخذوا في الإغارة على الأنحاء المجاورة، وأصبحوا قوة يخشى بأسها. وسعى إليهم بعض الأمراء والسادة المتنافسين يستظهرون بهم، بعضهم على بعض، فلبوا الدعوة،


(١) Reinaud: Invasions des Sarrazins en France. p. ١٦٠

<<  <  ج: ص:  >  >>