ليجوريا. وكانت معاقلهم في بروفانس ولا سيما حصن " فراكسنيه "، قواعد غزواتهم وملاذ قوتهم وسيادتهم. والظاهر أنهم اتبعوا نفس هذه الخطة في سهول بييمون، فأنشأوا بها سلسلة من الحصون والقلاع القوية، لتكون مركز غزواتهم في بلاد اللونبارد وفي سويسرة، فإن الرواية الكنسية التي كتبها حبر معاصر من دير نوفاليس، تذكر لنا اسم حصن إسلامي في تلك الأنحاء وتسميه "فراشنديلوم" Fraschendellum، والمظنون أنه هو المكان الذي تعرفه الجغرافية الحديثة باسم "فراسنيتو"، وهو الواقع في لومبارديا على مقربة من نهر " بو ". وتقص علينا نفس هذه الرواية الكنسية أيضاً أن سيداً نصرانياً من سادة تلك الأنحاء يدعو إيمون دفعه شغف المغامرة والكسب، إلى محالفة المسلمين فانضم إليهم، واشترك في غاراتهم الناهبة؛ وفي ذات يوم وقعت بين السبايا امرأة رائعة الحسن، فاستبقاها إيمون لنفسه، ولكن زعيماً مسلماً استحسنها وانتزعها منه قسراً، فغضب إيمون والتجأ إلى كونت روتبالدرس حاكم بروفانس العليا، وفاوضه سراً في محاربة المسلمين، وإنقاذ البلاد منهم، فرحب الكونت بهذا المشروع، ودعا السادة إلى معاونته، واستطاع أن يحشد قوات كبيرة، وهوجم المسلمون في بييمون من كل صوب ومزقوا، وسقطت قلاعهم في أيدي النصارى، وذهب سلطانهم في تلك الأنحاء. وتقص الرواية الكنسية أيضاً قصة مؤامرة دبرها كونراد ملك برجونية لإهلاك المسلمين النازلين في أملاكه في جورا وعلى حدود برجونية، والمجر الذين كانوا يشاطرونهم يومئذ الإغارة والعيث في تلك الأنحاء. وذلك أنه كتب إلى المسلمين يستحثهم على قتال منافسيهم المجر، وانتزاع ما بيدهم من الأراضي والضياع الخصبة، وكتب مثل ذلك إلى المجر يستحثهم لقتال المسلمين والمعاونة على إجلائهم، وعين مكاناً للقاء الفريقين، فالتقت الجموع المتنافسة من المسلمين والمجر، ونشب بينهما قتال هلك فيه كثير من الفريقين، ثم أشرف كونراد بجموعه، ومزق البقية الباقية من الفريقين قتلا وأسراً، وتضع الرواية تاريخ هذه الموقعة في سنة ٩٥٢ م، ولكنها لا تعين لنا مكان حدوثها (١).
ومنذ منتصف القرن العاشر يأخذ نجم أولئك المسلمين المستعمرين المغامرين في الأفول، وتضمحل سيادتهم في تلك الأنحاء. بيد أنهم لبثوا مدى حين بعد ذلك