يحتلون كثيراً من مواقع سافوا، ويجوبون أنحاء سويسرة كلها في طلب الغنيمة والسبي، وقد اعتادوا على حرب الجبال وحذقوا أساليبها، وبلغوا في توغلهم في سويسرة مدينة سان جالن على مقربة من بحيرة كونستانس، وأنشأوا ثمة كثيراً من القلاع والأبراج، التي مازالت تقوم منها إلى اليوم بعض الأطلال والبقايا، ولبثوا حيناً في سان جالن حتى حشد رئيس ديرها حوله جمعاً من المقاتلين الأشداء، وفاجأوا المسلمين في جوف الليل، ومزقوهم قتلا وأسراً، وبذلك خفت وطأة الغزوات الإسلامية في شمال سويسرة.
واستمرت المستعمرات والمعاقل الإسلامية في دوفينه وبروفانس، وبعض جهات الألب، وكان قربها من " فراكسنيه " أمنع المعاقل الإسلامية يمدها بأسباب الجرأة والعون، ويمدها قربها من البحر دائماً بأمداد جديدة من المتطوعين والمغامرين من ثغور الأندلس وإفريقية.
وكان لاستقرار هذه المستعمرات الإسلامية في جنوبي أوربا، وعيثها المستمر في الأنحاء والسهول المجاورة، وقع عميق في الحكومات الأوربية، وكان صريخ البابوية يتردد لدى أمراء أوربا، بالسعي إلى مكافحة هذا الخطر الداهم، وكان أوتو الأكبر إمبراطور ألمانيا وأعظم أمراء النصرانية يومئذ، أشد هؤلاء الأمراء اهتماماً بالقضاء على خطر المستعمرات الإسلامية، لأنه يدنو من أملاكه ويصيبها بشره. ولهذا رأى أن يبذل في هذا السبيل سعيه، لدى عبد الرحمن الناصر عاهل الأندلس وزعيم الإسلام الروحي والزمني، وأوفد إليه في سنة ٩٥٦ م سفارته الشهيرة التي أتينا على ذكرها. وبحث سفيره يوحنا الجورزيني مع الخليفة مسألة اعتداء المستعمرات الإسلامية على الأراضي النصرانية، والتمس إليه أن يعاون بنصحه ونفوذه على قمع هذا العدوان. ولكن هذا المسعى لم يسفر عن أية نتائج عملية، إذ اعتذر الخليفة حسبما فصلنا من قبل، بأن هذه المستعمرات الإسلامية لا تخضع له ولا تأتمر بأوامره، وأنها تعمل مستقلة بعيدة عن حكومة قرطبة. على أن لوتبراند، وهو مؤرخ كنسي معاصر، يؤكد أن الخليفة كان يحمي هذه المستعمرات ويمدها بالتشجيع والعون (١).
- ٤ -
ولم يمض قليل على ذلك حتى أخرج المسلمون من معاقلهم في آكام سان برنار