(في نحو سنة ٩٦٩ م). ولسنا نعرف تفاصيل ذلك الحادث، ولكن المحقق أن المسلمين أبدوا كعادتهم منتهى البسالة في الدفاع عن مواقعهم، والظاهر أيضاً أن القديس برنار (سان برنار) الذي سميت هذه الآكام باسمه، كان من أبطال الموقعة التي نشبت وانتهت بجلاء المسلمين.
واستمر المسلمون في دوفينه وبروفانس، وكثيراً ما دعوا إلى التدخل بين سادة هذه الأنحاء. ولما غزا الإمبراطور أوتو بلاد اللونبارد، وأخرج منها ملكها بيرانجيه، التجأ ولده أدلبرت إلى عرب "فراكسنيه"، ليعاونوه في استعادة ملكه، وكان هذا التحالف بين السادة والمسلمين، يقوي سيادة الغزاة ويدعمها كلما أذنت بالانهيار. بيد أن هذه السيادة قد أخذت في الاضمحلال، مذ فقد العرب معاقلهم في جبال الألب. وفي سنة ٩٦٥ م أخرج المسلمون من مدينة جرينوبل ومن واديها الخصب (جريزيفودان) وطوردوا في تلك النواحي، وساءت أحوالهم، وأعلن الإمبراطور أوتو بعد ذلك بعامين أو ثلاثة وهو يومئذ في إيطاليا، أنه سيتولى طرد المسلمين من الأراضي النصرانية، ولكنه توفي دون القيام بمشروعه.
ثم دنت بوادر المعركة الحاسمة. وحدث في ذلك الحين أن حبراً كبيراً ذائع الصيت، وهو سان ماييل أسقف دير كلوني من أعمال برجونية، حج إلى رومة، ولما عاد من طريق دوفينه أسره المسلمون المرابطون في الجبال مع جماعة كبيرة من الحجاج، واشترطوا عليهم فدى فادحة، فدفعت بعد عناء، وأطلق سراح سان مييل وزملاؤه، وأذكى الحادث حماستهم وسخطهم، وذاعت قصة أسرهم، وما يعانيه الحجاج من شر المسلمين وعدوانهم. فنهض سيد من سادة تلك الأنحاء يدعى بوبون، (أو بيفون)، وانتهز فرصة الحماسة العامة وجمع حوله كثيراً من المقاتلة، وبنى حصناً في سترون على مقربة من حصن كان يملكه المسلمون، ولبث يتحين الفرصة لمفاجأة العرب والاستيلاء على حصنهم، حتى استطاع ذات يوم أن يحمل بعض الحراس على فتح الأبواب، فتمت الخيانة، وباغت النصارى المسلمين في حصنهم، وقضوا عليهم قتلا وأسراً (سنة ٩٧٢ م).
وفي الوقت نفسه التف النصارى في دوفينه حول زعيم يدعى جيوم، وهاجموا المسلمين في جميع مراكزهم وقلاعهم ومزقوهم في كل ناحية، وبذا انهارت سيادتهم في دوفينه، ولم تبق إلا في بروفانس. ولما قوي جيوم وكثر جمعه، بسط نفوذه