على بروفانس وتلقب بألقاب الإمارة، واعتزم أن يخرج المسلمين نهائيا من تلك الأرض. فدعا السادة لمعاونته ومنهم كونت نيس، ورأى المسلمون أن العاصفة تنذر باجتياحهم من كل ناحية، فاستجمعوا كل أهبتهم وقواهم، ونزلوا من الآكام إلى البسيط في صفوف متراصة، ووقعت بينهم وبين النصارى معركة هائلة في " تورتور" فهزم المسلمون وارتدوا إلى قلاعهم، ولاسيما " فراكسنيه " التي غدت ملاذهم الأخير, فطاردهم النصارى أشد مطاردة، وضيقوا الحصار عليهم، فحاولوا الفرار تحت جنح الليل إلى الغابات المجاورة، ولكن النصارى لحقوا بهم وأمعنوا فيهم قتلا وأسراً، وأبقى على من استسلم وعلى المسالمين الذين كانوا يحترفون الزرع في الضياع المجاورة، وفر كثيرون من طريق البحر، وتنصر كثير منهم، وبقي نسلهم في تلك الأرض زمناً طويلا.
وهكذا سقط حصن فراكسنتم أو فراكسنيه سنة ٩٧٥ م، بعد أن لبث زهاء ثمانين سنة مركزاً قوياً للغزوات العربية غاليس، وقسمت أسلاب العرب وأراضيهم بين السادة والجند، الذين اشتركوا في هذه الحرب الصليبية، وانهارت سلطة العرب في تلك الأنحاء.
أما المستعمرات الإسلامية التي كانت مبعثرة في آكام الألب، فيقال إنها طوردت ومزقت في نفس الوقت، واعتنق الذين أسروا النصرانية. ولكن توجد رواية أخرى خلاصتها أن هذه المستعمرات لبثت في معاقلها نحو جيل آخر حتى تولى مطاردتها زعيم يدعى جيرولدوس. وعلى أي حال فلم تأت أواخر القرن العاشر حتى ذهبت سيادة المسلمين في غاليس وسويسرة، ولم يجب أحد في إفريقية والأندلس صريخ الغوث، الذي وجهه أولئك المستعمرون البواسل إلى إخوانهم، لأن الحوادث الداخلية لم تكن تسمح يومئذ ببذل هذا العون.
على أن ذلك لم يكن خاتمة الغزوات الإسلامية في تلك المياه. ففي سنة ١٠٠٣ م سارت حملة بحرية من مسلمي الأندلس، ونزلت بجوار أنتيب في جنوب فرنسا، واجتاحت الأراضي المجاورة. وفي سنة ١٠١٩ م نزلت حملة مسلمة أخرى في ظاهر أربونة وحاولت أن تستولي عليها، ولكنها هزمت ومزقت. وفي سنة ١٠٤٧ م هاجمت حملة أخرى جزيرة ليران الواقعة إلى الغرب من مرسييليا وأسرت عدداً من الرهبان. وظهر في ذلك الحين زعيم أندلسي جرىء هو مجاهد العامري