للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد أمراء الطوائف، وصاحب ثغر دانية والجزائر الشرقية (جزائر البليار)، واهتم بأمر الغزوات البحرية، فسار في أسطوله إلى مياه قورسقة وسردانية، وغزا سردانية واحتل بعض أنحائها (سنة ٤٠٦ هـ ١٠١٥ م)، ولكن النصارى استردوها بعد قليل (١). ولبث مجاهد العامري الذي تسميه الرواية النصرانية " موسيتو " أو " موجيتوس " مدى حين سيد هذه المياه، يبث فيها بحملاته الرعب والروع.

تلك هي قصة الغزوات الإسلامية في غاليس وبلاد اللونبارد وسويسرة؛ وهي قصة تغفل الرواية الإسلامية كثيراً من أدوارها ووقائعها، ولكنها تشغل فراغاً كبيراً في الروايات الكنسية والفرنجية المعاصرة. وهذه الروايات هي عمدتنا فيما ننقل من سير هذه الغزوات الشهيرة. ومن المحقق أنها مشبعة بروح التحامل والخصومة في كثير من المواطن، ولكنا نستطيع مع ذلك أن نتبين منها، أهمية الدور الذي قام به أولئك المجاهدون والمغامرون المسلمون، في تلك الوهاد والآكام النائية، وما كان لهم بين هاتيك الأمم من السيادة والنفوذ مدى عصور.

- ٥ -

والآن فلنحاول أن نستعرض طرفا من العوامل والظروف التي أحاطت بتلك الغزوات الإسلامية النائية، وطرفاً من الآثار التي خلفتها في البلاد والأمم التي كانت ميداناً لها.

ينكر بعض مؤرخي الغرب على تلك الفتوحات والغزوات العربية والإسلامية بوجه عام، خاصة الاستقرار والإنشاء، ويقولون إنها كانت في الغالب حملات ناهبة، تقوم على رغبة الكسب وتحصيل الغنائم. ولاريب أن ظمأ المغنم وشغف المغامرة، وما إليها من لذة الاستكشاف والسيادة، كانت من أهم العوامل التي قامت عليها هذه الغزوات، وتلك هي العوامل الخالدة التي تقوم عليها فتوحات الأمم منذ أقدم العصور. ولكن من الحق أيضاً أن نقول إن نزعة الجهاد لم تكن بعيدة عن تلك الغزوات، وإن كثيراً من أولئك المغامرين البواسل، كانت تحفزهم الحماسة الدينية، وفكرة الجهاد في سبيل الله. وقد كانت هذه العصابات الغازية المستعمرة تعمل في الغالب لحساب نفسها، ولكنها كانت تعمل ملحوظة بعطف


(١) ابن خلدون؛ المقدمة ص ٢١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>