للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سفن الأسطول الصغرى في نهر الوادي الكبير تجاه قرطبة، وترتيبها على هيئة مراكب النورمان (١)، وذلك خشية أن يتسرب الغزاة بطريق النهر إلى العاصمة، كما فعلوا حينما هاجموا إشبيلية في غزوتهم الأولى.

ولم تمض بضعة أعوام على ذلك، حتى عادت مراكب النورمان تجوس خلال المياه الغربية (٣٦٠ هـ - ٩٧١ م) مرة أخرى، وتهدد شواطىء ولاية الغرب الغنية.

ويقدم إلينا ابن حيان عن هذه الغزوة الثانية للنورمان لشواطىء الأندلس بعض تفاصيل ملخصها أن الحكم عهد إلى أمير البحر عبد الرحمن بن رماحس بتسيير الأسطول من ألمرية وإشبيلية، واجتماع قوى الأندلس البحرية كلها لمواجهة الغزاة، كما عهد إلى الوزير القائد غالب بن عبد الرحمن بأن يشرف على القوات البرية والبحرية التي أعدت لمدافعة أولئك الغزاة، وأمر صاحب الخيل والحشم زياد بن أفلح بإخراج السلاح والعدة، وحشد قوة مختارة من الجند.

بيد أنه لم تقع فيما يبدو، أية معارك هامة بين المسلمين والغزاة، ولم يحدثنا ابن حيان عن وقوع مثل هذه المعارك. والظاهر أنهم ارتدوا من تلقاء أنفسهم لما رأوا من تفوق قوى المسلمين (٢).

وفي خلال ذلك كانت قرطبة تغدو شيئاً فشيئاً، مركز التوجيه في شبه الجزيرة الإسبانية كلها، وتغدو كعبة لملوك اسبانيا النصرانية، يفدون إليها تباعاً، يقدمون إليها عهود الطاعة، ويلتمسون منها الصداقة والعون. وقد بدأ تقاطر هذه الوفود والسفارات من سنة ٣٥٥ هـ (٩٦٦ م) واستمر عدة أعوام. ويجدر بنا قبل التحدث عنها، أن نشير إلى ما وقع من تغييرات في الإمارات والممالك النصرانية. فقد توفي سانشو ملك ليون مسموماً في سنة ٩٦٦ م. وخلفه ولده الطفل راميرو الثالث، تحت وصاية عمته الراهبة إلبيرة، وكان من أثر ذلك أن وقع التفكك في مملكة ليون، وأعلن عدة من الزعماء المحليين استقلالهم. وتوفي الكونت


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٥٥.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٥٧. وابن حيان في المقتبس - مخطوط أكاديمية التاريخ بمدريد (مجموعة كوديرا) المنشور بتحقيق الأستاذ عبد الرحمن على الحجي (بيروت ١٩٦٥) ص ٢٣ - ٢٦ وبه بيانات وتفاصيل هامة عن حوادث الأعوام الخمسة من سنة ٣٦٠ إلى سنة ٣٦٤ هـ.
وسوف نرجع إليه بكثرة فيما يتعلق بأحداث هذه الأعوام وأحوالها.

<<  <  ج: ص:  >  >>