للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رداً على ما أبداه الحسن من رغبة في الإنابة والصلح: " وكيف يذهب الآن هذا المذهب وهو في طغيانه مستمر، وفي دينه مستبصر، ولكم في كل أيامه محارب، هذا هو الضلال، والمحال عين المحال، وسبب الخبال، وقد رأى أمير المؤمنين تأمين جميع الناس لديه غيره، وغير من أصر إصراره، وتمادى تماديه، إلى أن يحكم الله عليه، ويفتح فيه " (١).

وبادر الحكم في نفس الوقت، بحشد جيش جديد، ندب لقيادته مولاه ووزيره وكبير قواده غالباً بن عبد الرحمن " البعيد الصيت المعروف بالشهامة ". وأمده عدا الجند الكثيف، والعتاد الضخم، بأموال جليلة لاستمالة القبائل، وأمره أن يشتد في قتال الأدارسة، وأن يستأصل شأفتهم، وأن يطهر المغرب من كل القوى المناوئة لبني أمية. وقال له؛ " سر يا غالب مسير من لا إذن له في الرجوع إلا حياً منصوراً، أو ميتاً معذوراً، وابسط يدك في الإنفاق، فان أردت نظمت للطريق بيننا قنطار مال " (٢). فخرج غالب في قواته الجرارة من قرطبة، وعبر البحر من الجزيرة الخضراء إلى قصر مصمودة (أو القصر الصغير) وذلك في الحادي عشر من رمضان سنة ٣٦٢ هـ. وعلم الحسن بمقدمه، وعظيم أهبته، فغادر مدينة البصرة، الواقعة في الجنوب حيث كان يقيم، ولجأ بأهله وأمواله وذخائره إلى قلعة حجر النسر، الواقعة شمالها. ثم جمع قواته وخرج لقتال جيش الحكم، ونشب القتال بين الفريقين أياماً، وبث غالب في رؤساء البربر من غمارة وغيرهم من جند الحسن، الأموال والهدايا، فانفصلوا عنه، واضطر الحسن أن يمتنع بمن بقى معه في قلعة حجر النسر، فطارده غالب وضرب الحصار حول القلعة. وفي أوائل شوال بعث الحكم ثقته محمد بن أبي عامر إلى العدوة بأحمال من المال والحلي والخلع لتوزيعها على أكابر البربر الذين يمكن استمالتهم إلى جانب الخلافة. وأصدر الحكم في نفس الوقت مرسومه بتعيين ابن أبي عامر


(١) ابن حيان - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٩٧ و٩٨.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢١٨، وكذلك " نبذ تاريخية في تاريخ البربر " ص ٩. وقد وردت هذه العبارة بصورة أخرى في كتاب نقله إلينا ابن حيان، وأرسله الحكم إلى غالب وهو بالعدوة ردا على كتاب منه، وجاء في خاتمته هذه العبارة: " فاستقبل نظرك استقبال من استشعر مذهب أمير المؤمنين ووطن فيه على أن لا مرجع إلا بما يحب أو يموت فيعذر ". راجع المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>