للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيان المغرب من أنه أرسل غير مرة إلى الحكام الظلمة، يحذرهم من سطوته، وإلى القواد والعمال، يحذرهم من سفك الدم بلا موجب (١).

وكان من أعمال الحكم الإنشائية أيضاً إصلاح قنطرة قرطبة العظيمة على نهر الوادي الكبير، وتقوية دعائمها التي وهنت بمضي الزمن (سنة ٣٦١ هـ)، وإشرافه على ذلك بنفسه (٢).

وكان الحكم عارفاً بأقدار الرجال، مميزاً للنابهين منهم، وقد جمع في حكومته وبلاطه جمهرة من أعاظم رجال العصر وألمعهم. وكان في مقدمة هؤلاء، كبيرهم وزعيمهم الحاجب جعفر بن عثمان بن نصر المصحفي. وكان جعفر ينتمي إلى بطن من بطون البربر من بلنسية، وتولى أبوه عثمان أيام الناصر تأديب ولده الحكم، وهكذا نشأت بين الحكم وبين ولد أستاذه ومؤدبه جعفر مودة عميقة، فلما أسندت إليه ولاية العهد، قدم جعفر في الأعمال واستخدمه في الكتابة، ثم ولاه الناصر بعد ذلك حكم جزيرة ميورقة. ولما ولي الحكم الخلافة استوزره وأمضاه على كتابة الخاصة، وضم إليه بعد ذلك ولاية الشرطة، ثم تولى بعد ذلك منصب الحجابة أى رياسة الوزارة، خلفاً للحاجب جعفر بن عبد الرحمن الصقلبي، وأصبح أول رجل في الدولة، واجتمعت إليه سائر السلطات، ولما رزق الحكم بولده هشام اختار جعفر كافلا له، واستمر جعفر هو القائم بدولة الحكم حتى وفاته. وكان المصحفي من أساطين الكتابة والشعر وله شعر حسن، أورد لنا منه ابن الأبار مختارات رقيقة مشرقة تدل على تمكنه (٣).

وكان من أشهر أعمال المصحفي في بداية عهد الحكم أن قدم إليه هديته الباذخة، التي حاول أن يبز فيها هدية الوزير ابن شهيد إلى الناصر. وقد أورد لنا ابن حيان في المقتبس وصفاً لمحتويات هذه الهدية الشهيرة وهي: مائة مملوك من الفرنج ناشئة على خيول صافنة كاملو العدة والسلاح، وثلاثمائة وعشرون درعاً مختلفة الأجناس، وثلثمائة خوذة كذلك، ومائة بيضة هندية، وخمسون خوذة


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٥٥، ٢٥٦.
(٢) ابن حيان في المقتبس - قطعة مكتبة أكاديمية التاريخ السابق الإشارة إليها ص ٦٤ و٦٥.
(٣) راجع ترجمة جعفر المصحفي ومختارات من شعره, في " الحلة السيراء " ص ١٤١ - ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>