للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينعى ابن حيان على الحكم هذه السياسة في اختيار ولده الطفل لولاية العهد، فيقول إنه أي الحكم على ما وصف من رجاحة " كان ممن استهواهم حب الولد، وأفرط فيه، وخالف الحزم في توريثه الملك بعده، في سن الصبا دون مشيخة الأخوة، وفتيان العشيرة، ومن يكمل للإمامة بلا محاباة، فرط هوى، ووهلة انتقدها الناس على الحكم، وعدوها الحانية على دولته. وقد كان يعيبها على ولد العباس قبله، فأتاها هو مختاراً ولا مرد لأمر الله ".

وأصيب الحكم بعد ذلك بقليل، بشلل أقعده عن الخروج والحركة، ويقول لنا ابن حيان إن الحكم كان يعاني من هذه " العلة الفالجية " ولا يكاد يستفيق منها (١) فلزم فراشه، وتولى تدبير الشئون خلال مرضه، وزيره جعفر بن عثمان المصحفي. ثم توفي بعد ذلك بأشهر قلائل، في اليوم الثاني من صفر سنة ٣٦٦ هـ (٣٠ سبتمبر سنة ٩٧٦ م) (٢).

* * *

وكان الحكم المستنصر من خيرة أمراء بني أمية خلقاً وعلماً وعدلا. وتنوه الرواية الإسلامية في غير موطن بجميل خلاله وصفاته. فيقول لنا ابن الأبار: " وكان حسن السيرة، فاضلا عادلا، مشغوفاً بالعلوم " (٣). ويقول لنا ابن الخطيب: " وإليه انتهت الأبهة والجلالة، والعلم والأصالة، والآثار الباقية، والحسنات الراقية " (٤). وكان الحكم من ذوي الورع والتقوى، تشهد بذلك عنايته الفائقة بأمر المسجد الجامع، وتوسعته وإنشاء منبره الجديد، وتزويده بالماء بطريقة هندسية بديعة، وما بذله في سبيل ذلك من النفقات الطائلة، ويشهد بذلك أيضاً تشدده في محاربة الخمر وإراقتها (٥). وكان محباً للعدل معيناً بإقامته، شديداً في محاسبة الطغاة من العمال والحكام، يؤيد ذلك ما رواه صاحب


(١) المقتبس - قطعة مكتبة أكاديمية التاريخ ص ٢١١.
(٢) تضع معظم الروايات وفاة الحكم في هذا التاريخ (الحلة السيراء ص ١٠١، ونفح الطيب ج ١ ص ١٨٥، وابن الخطيب عن ابن حيان، في أعمال الأعلام ص٥٦). ولكن صاحب البيان المغرب ينفرد بالقول بأن وفاته كانت في الثالث من رمضان سنة ٣٦٦ هـ.
(٣) الحلة السيراء ص ١٠١.
(٤) أعمال الأعلام ص ٤٩.
(٥) الحلة السيراء ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>