للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغرس ازدهاراً عظيماً، حتى أنه بعد الحرث الكثير، والمطر الغزير، بدت شمس وضاءة رائعة منعشة " (١).

وقد اختلف في تقدير محتويات المكتبة الأموية العظيمة، التي أنشأها الحكم المستنصر، فقدرها بعض المؤرخين بأربعمائة ألف مجلد، وقدرها البعض الآخر بستمائة ألف (٢). وكانت توجد في قواعد الأندلس الأخرى، عدا مكتبة قرطبة العظيمة زهاء سبعين مكتبة أخرى (٣). وهذا وحده يكفي للدلالة على مدى التقدم العظيم، الذي بلغته الحركة الفكرية والأدبية في الأندلس، في هذا العصر الزاهر. ولبثت المكتبة الأموية العظيمة قائمة بقصر قرطبة، حتى وقعت الفتنة الكبرى في سنة ٤٠٠ هـ، وحاصر البربر قرطبة، فأخرجت معظم الكتب من خزائنها خلال الحصار، وبيعت بأمر الفتى واضح مولى المنصور بن أبي عامر، ثم نهب ما تبقى منها عند اقتحام البربر لقرطبة، حسبما نذكر بعد (٤).

* * *

وشعر الحكم في أواخر عهده، بأعراض الضعف والمرض تدب إليه، فانتقل من قصر الزهراء وفقاً لنصح أطبائه، لغلبة برد الجبل عليه، وقضى حيناً في منية ناصح، ومنية الناعورة، ثم انتقل إلى قصر قرطبة. وعقد العزم على تأمين ولاية العهد لولده الطفل هشام. وتم ذلك في شهر جمادى الثانية سنة ٣٦٥ هـ (٥ فبراير سنة ٩٧٦ م) حيث جلس الحكم بقصر قرطبة، وأعلن عزمه في تقليد ولده عهد الخلافة من بعده، وأخذت البيعة بالفعل من الحاضرين، وأخرجت كتبها لسائر الخاصة والعامة. وتولى أخذها على الناس وفق مراتبهم، محمد بن أبي عامر، وهو يومئذ صاحب الشرطة والمواريث، وكان من قبل كافلا لهشام، وميسور الفتى الكاتب مولى صبح، ثم دعى لهشام في الخطبة بالأندلس والمغرب، ونقش اسمه في السكة.


(١) Modesto Lafuente: Historia General de Espana (Barcelona ١٨٨٩) , Tom. II ; p. ٣٦٤-٣٦٧
(٢) نفح الطيب ج ١ ص ١٨٤.
(٣) Prescott: Ferdinand and Isabella of Spain, p. ١٨٧.
(٤) ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>