للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نأت عنه داري فاستزاد صدوده ... وإني على وجدي القديم كما كنت

ولو كنت أدري أن شوقي بالغ ... من الوجد ما بلغته لم أكن بنت

وقوله:

عجبت وقد ودعتها كيف لم أمت ... وكيف انثنت بعد الوداع يدي معي

فيا مقلتي العبرا عليها اسكبي دماً ... ويا كبدي الحرّا عليها تقطعي

* * *

ونلاحظ أخيراً أن بلاط قرطبة، كان في أيام الحكم المستنصر، يبدو في بهي أثوابه الملوكية والخلافية، وكان جلوس الحكم في أيام الأعياد أو لاستقبال الوافدين والسفراء من أيام قرطبة المشهودة. وقد أفاض ابن حيان في وصف هذه الأيام والحفلات الباذخة. ويبدو مما كتبه أن الخليفة الحكم، كان يؤثر الجلوس في هذه الأيام بالمجلس الشرقي من قصر الزهراء، ويجلس عن يمينه ويساره إخوته بترتيب السن؛ ثم يليهم في ترتيب الجلوس، الوزراء، يجلسون بعد فرجتين، إلى اليمين وإلى اليسار، ويلي ذلك صاحب المدينة بقرطبة، ويجلس إلى اليمين، وإلى جانبه صاحب المدينة بالزهراء، ثم يجلس من بعدهم صاحب الحشم، فصاحب الخيل، فأصحاب الشرطة العليا والوسطى، وسائر طبقات أهل الخدمة وفق مراتبهم، وقاضي الجماعة، والحكام وأصحاب الشرطة الصغرى، وأسباط الخلافة، وجلة قريش، ثم وجوه الموالي، ثم قضاة الكور والفقهاء المشاورون والعدول، وأعيان قرطبة. ويصطف الجند في أثوابهم الزاهية، منذ مداخل القصر حتى الممر المفضي إلى مجلس الخليفة، وقد أورد لنا ابن حيان وصف هذا النظام في مختلف المناسبات الرسمية، مما يدل على أنه هو نظام البروتوكول (المراسيم) الثابت الذي كان يتبعه بلاط قرطبة في هذا العهد عند جلوس الخليفة للمناسبات الرسمية الكبرى (١).

ويجب أن نلاحظ من ذلك الوقت التطور العظيم، الذي حدث في تكوين المجتمع الأندلسي. فقبل عهد الناصر كانت الرياسة والأرستقراطية، تنحصر في القبائل العربية. وكان البربر يحتلون مقاماً أدنى. وكانت المعارك يضطرم لظاها


(١) ابن حيان في المقتبس - قطعة أكاديمية التاريخ ص ٢٩ و٤٩ و٥٠ و٥٧ و٨١ و٩٤ و١٩٤ و١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>