فبادر إلى ضبط أبواب القصر، واستدعى أصحابه من خاصة الحكم، مثل زياد بن أفلح مولى الحكم، وقاسم بن محمد، ومحمد بن أبي عامر، وهشام بن محمد بن عثمان وغيرهم. واستدعى في نفس الوقت عصبته وأشياعه من زعماء البربر، مثل بني برزال، كما استدعى سائر القادة الأحرار، فاجتمع له منهم ومن أجنادهم طوائف ضخمة. فنعى لهم الخليفة، وعرض عليهم مشروع الفتيان الصقالبة، في تنحية هشام وتولية المغيرة، وأوضح لهم أن هذا المشروع خطر داهم عليهم، وأنه إذا ولى المغيرة، واستبد الصقالبة بالأمر، قضى عليهم وعلى دولتهم ونفوذهم، ونكل بهم المغيرة والصقالبة. والأمر بالعكس إذا ولى هشام ولي العهد الشرعي، فإنهم يستبقون سلطانهم ونفوذهم، وتغدو الدولة دولتهم، ويأمنون على أنفسهم وأموالهم. فاقترح بعض أصحابه أن يقتل المغيرة، فيؤمن بذلك شره في الحال والاستقبال، وتطوع محمد بن أبي عامر لتنفيذ هذه المهمة الدموية، حفظاً للوئام والوحدة، فبعث جعفر معه سرية من الجند الأحرار الموثوق فيهم، وسار معه بدر القائد مولى الحكم، في سرية من غلمان الخليفة. وأحاط الجند بدار المغيرة، ثم نفذ محمد بن أبي عامر في نفر من أصحابه، ونبأه بموت الخليفة وجلوس ابنه هشام، وأنه أتى ليتبين حقيقة موقفه، فذعر المغيرة وأكد لابن أبي عامر، أنه مطيع مخلص لكل ما تقرر، وتضرع إليه أن يحقن دمه، وأن يراجع القوم في أمره. ولكن الرد كان قاطعاً في وجوب التخلص من المغيرة، فدفع إليه ابن أبى عامر عدة من رجاله، فقتلوه خنقاً أمام زوجته، ثم أشاعوا أنه قتل نفسه، ودفن في نفس مجلسه، وكان سنه يوم قتل سبعاً وعشرين سنة. ووقع ذلك كله في يوم واحد فقط.
ولما وقف الفتيان فائق وجؤذر على ما وقع، تملكهما السخط والروع، وبادرا إلى الحاجب جعفر، وتظاهرا بالرضا والاستبشار بما وقع، واعتذرا له مما سبق أن اقترحا عليه، وأخذ الفريقان من ذلك الحين، يتوجس كل من صاحبه ويتربص به، وانقسم أهل القصر إلى معسكرين، معسكر الصقالبة يتزعمه فائق وجؤذر، ومعسكر الأحرار يتزعمه الحاجب جعفر ومحمد بن أبي عامر (١)
(١) نقل إلينا ابن بسام في الذخيرة هذه التفاصيل عن ابن حيان (الذخيرة - القسم الرابع المجلد الأول ص ٤٠ و٤١). ونقلها أيضاً صاحب البيان المغرب ج ٢ ص ٢٧٨ - ٢٨٠.