للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسنرى فيما بعد، كيف تطورت هذه المعركة الخفية بين المعسكرين.

* * *

وهكذا وقع الاتفاق على تولية هشام، وأخذت له البيعة في صبيحة اليوم التالي لوفاة أبيه الحكم، وهو يوم الإثنين الثالث من صفر سنة ٣٦٦ هـ (أول أكتوبر سنة ٩٧٦ م). فأجلس الخليفة الصبي هشام، في كرسي الخلافة، ولما يجاوز الثانية عشرة من عمره. وتولى أخذ البيعة له الحاجب جعفر محمد ابن أبي عامر، ولم يعترض أحد على توليته. واستمر أخذ البيعة أياماً، وكتب بها إلى الأقطار، فلم يردها أحد. وينقل إلينا ابن الخطيب، عن ابن حيان، مئات من أسماء الوزراء والعلماء والقضاة والأكابر، من مختلف الطبقات، الذين أخذوا البيعة لهشام، ومنهم كثيرون، ممن اشتركوا في أخذ البيعة له بولاية العهد، في حياة أبيه (١).

ويصف لنا ابن الخطيب حالة الخلافة الأندلسية، وأحوال الأندلس، عند ولاية هشام، فيما يأتي: " بويع ولي عهده (أي الحكم) هشام الملقب بالمؤيد بالله والخلافة قد بلغت المنتهى، وأدركت الجنى، وبلغ طورها، وانتهى دورها، فكانت كمامة ثم زهرة بسّامة، ثم ثمرة بهية، ثم فاكهة شهية؛ وكان بكرسي

العامرية مجلاها، ثم تلاها ما تلاها، وأرخص الحطوط من أعلاها، فكان المال قد ضاقت عنه خزائنه، والمصر قد عظمت مزاياه ومزاينه، والملك تعوذ بالله، أن لا يصيبه عائنُه الذي يعاينه، والمباني قد بلغت السماء سمواً، وزاحمت الكواكب علواً، والبلاد وقد بلغ فيها إلى أقاصي الاهتمام، وفرغت بناتها من لبنات التمام، والآثار الصالحة قد تخلدت، والمآثر الواضحة قد تعددت، والأذهان في بسطة الإسلام قد تبلدت، ورسم الخلاف قد أمحى، والدّولة المراونية قد بركت وسط المرعى، والدعوة قد انتشرت في المغرب الأقصى" (٢).

* * *

وهكذا تمت البيعة لهشام المؤيد، بين يوم وليلة، وقضى على كل معارضة، وتوارى الأعمام وبنو العم، واجتمعت مقاليد السلطة في أيدي رجلين، هما الحاجب


(١) أعمال الأعلام ص ٤٨. وقد شغلت أسماء الذين أخذوا البيعة لهشام تسع صفحات كاملة. (٤٨ - ٥٧).
(٢) أعمال الأعلام ص ٤٣ و٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>