للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووضع الإثنان خطة لافتتاح ما بقى من إسبانيا. ثم زحفا نحو الشمال الشرقي واخترقا ولاية أراجون (الثغر الأعلى) وافتتحا سرقسطة وطركونة وبرشلونة وغيرها من المدائن والمعاقل. ثم افترق الفاتحان، فسار طارق نحو الغرب ليغزو جليقية، وليتم القضاء على فلول القوط. وسار موسى شمالا فاخترق جبال البرنيه (جبال البرت أو البرتات أو الممرات) (١)، وغزا ولاية لانجدوك أو سبتمانيا التي كانت تابعة إذ ذاك لملوك القوط، واستولى على قرقشونة (كاركاسون) وأربونة (ناربون). ثم نفذ إلى مملكة الفرنج وغزا وادي الرون (رذونة) حتى مدينة لوطون أو لوذون (ليون)، فاضطرب أمراء الفرنج وأخذوا في الأهبة لرد الغزاة؛ ويقال إن المعارك الأولى بين العرب والفرنج وقعت في تلك السهول على مقربة من أربونة (٢).

وهنا فكر القائد الجرىء في أن يخترق بجيشه جميع أوربا غازياً فاتحا، وأن يصل إلى الشام من طريق قسطنطينية، وأن يفتتح في طريقه أمم النصرانية والفرنجة كلها. وهو ما يجمله ابن خلدون في تلك العبارة القوية: " وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية، ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس، ويخوض مابينها من بلاد الأعاجم أمم النصرانية مجاهداً فيهم، مستلحماً لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة " (٣). وكان موسى يقدر تنفيذ مشروعه العظيم بجيش ضخم يقتحم البرنيه، يؤيده من البحر أسطول قوي، فيبدأ بافتتاح مملكة الفرنج ثم يقصد إلى مملكة اللومبارد (٤) في شمالي إيطاليا، فيخترقها فاتحا إلى رومة قاعدة النصرانية، فيفتتحها ويقضى فيها على كرسي النصرانية. ويتابع سيره بعدئذ شرقاً إلى سهول الدانواب،


= وحمل مغيث هذا الكتاب إلى الأندلس، فأفرج موسى عن طارق ورده إلى منصبه (ص ٢١٠)، وذكر الطبري أن طارقا ترضى موسى فرضي عنه وقبل منه عذره (ج ٨ ص ٩٠).
(١) البرت أو البرتات محرفة عن الاسبانية Puerta، ومعناها الباب. وسميت الجبال بهذا الاسم لأنها تحتوى على خمسة أبواب أو ممرات طويلة كانت تستعمل للعبور والغزو. وسنعود إلى تفصيل ذلك. أما تسميتها بجبال البرانس فهو خطأ جغرافي حسبما نوضح بعد.
(٢) ابن حيان مؤرخ الأندلس (نقله المقري في نفح الطيب ج ١ ص ١٢٨)، والبيان
المغرب (ج ٢ ص ١٤). ومعظم الروايات على أن موسى وقف في زحفه عند أربونة.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١١٧، ونفح الطيب ج ١ ص ١٣٠.
(٤) في الجغرافية العربية بلاد اللنبرد أو أنكبردية.

<<  <  ج: ص:  >  >>