للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يلحق به، ويتوعده بالعقاب إذ توغل بعد بغير إذنه (١). ولكن البعض يعلل غضب موسى على طارق ولحاقه به، بأن طارقا خالف الأوامر الصادرة إليه بألا يجاوز قرطبة أو حيث تقع هزيمة القوط (٢). وهذا تعليل حسن يتفق وما أثر عن موسى من الحيطة والحذر، فقد ينكب المسلمون إذا توغلوا في أراض ومسالك مجهولة. على أن ذلك لا يمنع من أن يكون للغيرة أثرها أيضاً في نفس موسى وفي تصرفه. وعلى أى حال فقد عبر موسى البحر إلى اسبانيا في عشرة آلاف من العرب وثمانية آلاف من البربر، في سفن صنعها خصيصا لذلك، يحفزه شغف الفتح بالرغم من شيخوخته، ونزل بولاية الجزيرة حيث استقبله الكونت يوليان، وذلك في رمضان سنة ثلاث وتسعين (يونيه سنة ٧١٢ م). وبدأ موسى زحفه بالاستيلاء على مدينة شَذُونة (٣)، ثم سار إلى قَرْمونة وهي يومئذ من أمنع معاقل الأندلس، فاستولى عليها بمعاونة يوليان وأصحابه. وقصد بعدئذ إلى إشبيلية أعظم قواعد الأندلس. فافتتحها بعد أن حاصرها شهرا. ثم سار إلى ماردة وحاصرها مدة، وقتل تحت أسوارها جماعة كبيرة من المسلمين في كمين دبره النصارى. وانتهت بالتسليم في رمضان أو شوال سنة أربع وتسعين، على أن تكون أموال الغائبين والكنائس، غنيمة للمسلمين دية لمن قتل منهم. وقصد موسى بعدئذ إلى طليطلة فالتقى بطارق على مقربة منها وكان قد سار إلى استقباله. فأنبه وبالغ في إهانته، وزجه مصفداً إلى ظلام السجن بتهمة الخروج والعصيان، وقيل بل هم بقتله أيضا (٤). ولكنه ما لبث أن عفا عنه ورده إلى منصبه (٥).


(١) هذه هي رواية ابن عبد الحكم (ص ٢٠٧)، وصاحب أخبار مجموعة (ص ١٥)، وابن القوطية (ص ٩)، وابن الأثير (ج ٤ ص ٢١٥)، وابن خلدون (ج ٤ ص ١١٧)، وابن حيان مؤرخ الأندلس (نفح الطيب ج ١ ص ١٢٦)، وبغية الملتمس للضبى (ص ١١)، والحميدى في جذوة المقتبس (طبع مصر) ص ٥.
(٢) البيان المغرب (ج ٢ ص ١٥ و١٨).
(٣) Medina Sedonia، ويسميها ابن الأثير مدينة سالم (ج ٤ ص ٢١٥). ولكن شدونة أو شذونة تسمية أكثر ذيوعا.
(٤) ابن عبد الحكم (ص ٢٠٨)، وابن الأثير (ج ٤ ص ٢١٥)، والمقري في نفح الطيب (ج ١ ص ١٢٧)، والحميدي في جذوة المقتبس (ص ٦).
(٥) ينفرد ابن عبد الحكم برواية عن إطلاق سراح طارق، هي أن طارقا استجار بمغيث الرومى وكان عائدا من الأندلس إلى المشرق، ووعده بمائة عبد إذا هو أبلغ أمره إلى الوليد بن عبد الملك، فقام مغيث بالرسالة وبادر الوليد بالكتابة إلى موسى أن يطلق سراح طارق ويتوعده إذا أساء اليه=

<<  <  ج: ص:  >  >>