للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلح. غزوة أخرى لقشتالة. موقعة صخرة جربيرة. اقتحام المنصور لمدينة برغش. غزوه لنافار. آخر غزوات المنصور. ما تقوله الرواية الإسلامية. موقعة قلعة النسور. ما تقوله عنها الرواية النصرانية. آراء البحث الحديث في شأنها. مرض المنصور ووفاته. قبره بمدينة سالم.

أضحى ابن أبي عامر، بعد أن قضى على كل خصومه ومنافسيه، وحده، سيد الميدان، وأضحى بعد أن وضع يده على الجيش، صاحب السلطة العليا دون منازع ولا مدافع. ولم يكن الخليفة هشام المؤيد، بعد ذلك، سوى أداة لينة في يد المتغلب القوي، يوجهها كيف يشاء.

على أن ابن أبي عامر لم يقنع بما حققه لنفسه من الاستئثار بالسلطة الفعلية.

وعلى الرغم من أنه لم يفكر يومئذ في الافتئات على شىء من رسوم الخلافة الشرعية، فإنه اتجه إلى أن يتشح بحلل الملك في صورة من صوره، فتكون له ثوباً خلاباً، يتوج سلطانه الفعلي، بمظاهر العظمة والأبهة الملوكية.

ولم يكن اتجاه ابن أبي عامر يقف عند تحقيق المظهر دون غيره، ولكن كانت لديه أسباب عملية قوية، تدعو إلى التحوط من أخطار التآمر والغيلة، وقد أصبح يخشى على نفسه من الوجود في قصر الزهراء، ومما قد يضمره بعض الحاقدين المتربصين (١)، ورأى أن يتخذ له مركزاً مستقلا للإدارة والحكم، يجمع بين السلامة ومظاهر السلطان والعظمة. فوضع أسس مدينة ملوكية جديدة أسماها الزاهرة (٣٦٨ هـ - ٩٧٨ م). وقد اختلف في الموقع الذي كانت تحتله الزاهرة لأن البحوث الأثرية الحديثة لم تكشف شيئاً من معالمها، مثلما فعلت بالنسبة لمدينة الزهراء. ويقول البعض إنها كانت تحتل بسيطاً يقع جنوب شرقي قرطبة في منحنى نهر الوادي الكبير، وعلى قيد أميال قليلة منها. ويقول البعض الآخر إنها كانت تحتل بقعة على مقربة من شرقي قرطبة على الضفة الجنوبية لنهر الوادي الكبير (٢).

وأنشأ المنصور بالزاهرة قصراً ملوكياً فخماً، ومسجداً، ودواوين للإدارة والحكم، ومساكن للبطانة والحرس، وأقام حولها سوراً ضخماً، ونقل إليها خزائن المال والسلاح، وإدارات الحكم؛ وتم بناء المدينة الجديدة في نحو عامين، وأقطع ما حولها للوزراء والقادة، وأكابر رجال الدولة، فابتنوا الدور العظيمة، وأنشئت الشوارع والأسواق الفسيحة، واتصلت أرباضها بأرباض قرطبة،


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٩٤، وأعمال الأعلام ٦٢.
(٢) وهذا يستفاد من أقوال ابن حزم في " طوق الحمامة " ص ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>