بسمعة عالية في ميدان الفروسية والقيادة، وهو ما كان ينقمه ابن أبي عامر على صهره. وكان المعارضون يرون فيه الرجل الوحيد، الذي يستطيع أن يقارع ابن أبي عامر ويقاومه. فرأى ابن أبي عامر أن يرفع إلى مرتبة الوزارة جعفر بن علي ابن حمدون المعروف بالأندلسي، وكان من مشاهير الفرسان والقادة البربر من زناته، وكان مقيماً بالعدوة، فعبر البحر إلى الأندلس، واستقر في الوزارة، يكنفه ابن أبي عامر بحبه وثقته، ويستعين به على تأليف البربر وكسب محبتهم، ولاسيما بعد أن غدوا يؤلفون معظم حرسه وحاشيته. وتقاطر البربر من العدوة، وابن أبي عامر يستقبلهم بأوفر ضروب البذل والإحسان، ويقوي بهم صفوفه وبطانته. وكان غالب يستشعر الوحشة والريبة من تصرفات صهره، ويتوقع منها سوء العاقبة. ولم يمض قليل حتى ساء التفاهم بين غالب وصهره، فعمد غالب إلى مصانعة ابن أبي عامر، ودعاه أثناء غزوه بالصائفة في أراضي قشتالة، إلى وليمة أقامها بمدينة أنتيسة (١)، إحدى مدن الثغر التي تحت ولايته، وجاء ابن أبي عامر إلى القلعة حيث أقيمت الوليمة، في بعض أصحابه، فانفرد به غالب وشرع في عتابه. ثم اشتد بينهما النقاش، فشهر غالب سيفه على صهره فجأة، فأصابه في بعض أنامله وصدغه، واستطاع ابن أبي عامر أن يفر ناجياً بنفسه، من مأزق بالغ الخطورة. وامتنع غالب بالقلعة، بينما سار ابن أبي عامر لفوره إلى مدينة سالم، حيث دار غالب وأهله، فاستولى عليها وعلى سائر أمواله ومتاعه، وفرقها في الجيش، وعاد إلى الحضرة، وهو يضمر لغالب أسوأ النيات.
وكان غالب أعظم قادة الأندلس وأبرعهم في ذلك العصر، وكانت لديه في الثغر قوات يعتد بها، فنهض لقتال قوات ابن أبي عامر، وغلب عليها، في البداية غير مرة. ثم رأى أن يستعين براميرو الثالث ملك ليون، فأمده ببعض قواته. وسار ابن أبي عامر لمقارعة خصمه في معركة حاسمة. ووقع اللقاء بين الفريقين أمام حصن شنت بجنت San Vicente على مقربة من أنتيسة، ونشبت بينهما معركة شديدة، أبلى فيها غالب وقواته بلاء حسناً وكاد يحرز النصر في البداية، ولكنه ما لبث أن سقط ميتاً عن جواده خلال المعمعة، ولم يعرف سبب مصرعه لأنه لم يقتل بيد أحد، وحملت رأسه في الحال إلى ابن أبي عامر، فدب الوهن
(١) وهي بالإسبانية Atienza. وهي تقع شمال وادي الحجارة، على مقربة من غربي مدينة سالم.