للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذعر إلى قواته، وطاردتها قوات الأندلس، وأمعنت فيها قتلا وأسراً، وهلك من الجند النصارى الذين كانوا يقاتلون إلى جانب غالب عدد جم. وكان بين القتلى أمير نصراني هو راميرو ابن سانشو أباركا من أمراء البشكنس (١). وقتل كذلك في المعركة عدة من الكبراء والقادة المسلمين، الذين كانوا مثل غالب يعارضون سياسة ابن أبي عامر. وكان ذلك في الرابع من محرم سنة ٣٧١ هـ (أغسطس سنة ٩٨١ م) (٢).

وقد روى الفيلسوف ابن حزم عن أبيه الوزير ابن حزم، وزير ابن أبي عامر، وكان ممن صحبه في تلك الموقعة، تفاصيل الموقعة حسبما شهدها. وهو يصف لنا هيئة القائد غالب خلال الموقعة في قوله: " وهو شيخ كبير قد قارب الثمانين عاماً وهو على فرسه، وفي رأسه طرطور عال، وقد عصب حاجبيه بعصابة " قال: وكان قد جمع جموعاً عظيمة من المسلمين والنصارى، فبدأ بالهجوم على الميمنة، وفيها جعفر بن علي وأخوه يحيى والبربر، وحمل عليهم حملة، أزاحتهم عن مواقعهم، ومزقت صفوفهم؛ ثم حمل على الميسرة، وكان فيها الوزير ابن حزم مع غيره من الرؤساء، ففعل بها كما فعل بالأولى. ثم أخذ يتأهب لمهاجمة القلب، وهو تحت قيادة ابن أبي عامر نفسه، وهو يقول: " اللهم إن كنت أصلح للمسلمين من ابن أبي عامر فانصرني، وإن كان هو الأصلح لهم فانصره ". ثم يصف لنا ابن حزم مصرع غالب على النحو الآتي، قال: " فهز فرسه، وترك جبهة القتال وأخذ ناحية إلى خندق كان في جانب عسكره، فظن أصحابه أنه يريد الخلاء، فلما أبطأ عليهم ركبت طائفة منهم نحوه، فوجدوه قد سقط إلى الأرض ميتاً، وقد فارق الدنيا بلا ضربة ولا رمية ولا أثر، وفرسه واقف بجانبه يعلك لحامه، ولا يعلم أحد سبب موته. فلما أدرك أصحابه سقط في أيديهم، وطلبوا حظ أنفسهم، فبادر مبادر منهم بالبشرى إلى ابن أبي عامر، فلم يصدق حتى وافى مواف بخاتمه، ووافاه آخر بيده، ووافاه آخر برأسه ".

هذا وقد بلغت القسوة بابن أبي عامر، أن أمر بالتمثيل بجثمان خصمه الصريع


(١) وهو الذي تسميه الرواية العربية برذمير بن شانجه ويعرف " براي قرجة ".
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ٢٩٨ و٢٩٩، وأعمال الأعلام ص ٦٢ و٦٣. وكذلك Dozy: Hist. Vol. II. p. ٢٣٣ & ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>