للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سنة ٣٨١ هـ (٩٩١ م) أى بعد ذلك بعشرة أعوام، اتخذ المنصور خطوة أخرى في سبيل تدعيم صفته الملوكية. فرشح ولده عبد الملك للولاية من بعده، وهو فتى لم يجاوز الثامنة عشرة، ونزل له عن خطة الحجابة والقيادة العليا، وسائر الخطط الأخرى التي كان يتقلدها، واقتصر على التسمى بالمنصور، وأن تنفذ الكتب عنه " باسم المنصور أبي عامر وفقه الله " كما قلد ولده عبد الرحمن خطة الوزارة. ثم كانت الخطوة الثالثة بعد ذلك بخمسة أعوام، حينما أصدر المنصور في سنة ٣٨٦ هـ (٩٩٦ م) أمره، بأن يخص بألقاب السيادة من دون سائر الناس في المخاطبات، وأن يرفع ذلك عن سائر أهل الدولة، ونفذت الكتب بذلك، وخوطب المنصور من ذلك الوقت " بالملك الكريم "، وبولغ في تكريمه وتعظيمه في سائر المخاطبات، واستمر ذلك بقية حياته (١).

ولم يك ثمة شك فيما يرمي إليه ابن أبي عامر، من وراء هذه الخطوات المتعاقبة في سبيل الاتشاح بألقاب الملك والسيادة. فهو قد حقق من الناحية العملية أمنيته الجوهرية، بالاستيلاء على الدولة والاستئثار بكل سلطة فعلية. ولكنه كان ويرمي إلى أبعد من ذلك. فهو قد أصبح أعظم وأقوى رجل في الدولة، وقد جمع بين يديه سائر السلطات السياسية والعسكرية. وكان الجيش وهو عماد السلطان والدولة، يتكون معظمه من البربر والنصارى المرتزقة، ويدين للمنصور بمنتهى الولاء والإخلاص، وهو الذي عنى بإنشائه وتنظيمه، وقاده إلى ميادين النصر عشرين عاماً. وإذاً فقد كان يبدو من هذه الظروف كلها، أنه لم يك ثمة ما يحول دون أن يحقق المنصور غايته الأخيرة، فيتوج حكمه بالصفة الشرعية، وينتزع لنفسه ما بقي من رسوم الملك والخلافة، ويؤسس بذلك لنفسه ولعقبه دولة جديدة، تحل مكان الدولة الأموية المحتضرة.

وهنالك ما يدل على أن المنصور، كان يعتزم بالفعل أن يتخذ سمة الخلافة؛ وهذا ما يقرره الفيلسوف ابن حزم، ويروي تفاصيله نقلا عن أبيه الوزير ابن حزم وزير المنصور. وملخص روايته أن المنصور جمع للمشورة في ذلك الأمر قوماً من خواصه منهم ابن حزم، وابن عياش، وابن فطيس من الوزراء، وبعض الفقهاء، وقد صوّب رأيه ابن عياش وابن فطيس، ولكن ابن حزم


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٣١٥ و٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>