للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشعب، عن انقلاب حاسم يقضي به على آخر مظاهر الخلافة الشرعية، وينتزع به تراث بني أمية. ومن جهة أخرى، فقد كانت هناك صبح أم الخليفة المعتقل، المحروم من كل حقوقه وسلطانه؛ وكانت صبح قد غدت بمضي الزمن ألد خصوم ابن أبي عامر وأخطرهم. وقد رأينا كيف بدأت تعمل لمقاومته، مذ شعرت بخطورة مشاريعه، على مركز ولدها، وتحاول أن تجمع من حولها كلمة الناقمين والمعارضين لابن أبي عامر، باسم حماية الخليفة الشرعي، وإنقاذه من نير المتغلب، وكيف وقعت أول محاولة حقيقية لمقاومة ابن أبي عامر، في انقلاب صهره القائد غالب عليه ومحاربته إياه، ولم تبذل من ذلك الحين أية محاولة أخرى في هذا السبيل. هذا وسلطان المنصور على مر الأعوام يتوطد، ومركز هشام المؤيد يزداد سوءاً وانحلالا، وتغيض ذكريات الخلافة ورسومها شيئاً فشيئاً.

فلما عمد المنصور أخيراً إلى اتخاذ ألقاب السيادة والملك، شعرت صبح بأن الضربة القاضية أضحت على وشك الوقوع، واعتزمت ان تضاعف العمل في سبيل حماية ولدها، وتحريره من قبضة المتغلب. فكررت ضد المنصور دعايتها القديمة، واتهمته على يد دعاتها وأعوانها، باغتصاب سلطان الخلافة، ومقاومة رغبة الخليفة في تولي الحكم بنفسه؛ وخطر لها في نفس الوقت أن تتصل بزيري ابن عطية حاكم المغرب، وأن تدفعه إلى مناوأة المنصور، فبعثت إليه رسلها، وأنفذت إليه الأموال سراً، ليحشد الجند ويتأهب للعبور إلى الأندلس. وكان زيري من أولياء بني أمية ومن أشد المخلصين لقضيتهم، وكان ينقم على المنصور سياسته في الحجر على هشام؛ وفوق ذلك فقد كان غاضباً على المنصور، لما أساء به في حقه حين زيارته إلى قرطبة؛ وإذاً فقد لبى زيري دعوة صبح، وأخذ يشهر بالمنصور وسياسته، وحجره على الخليفة، ويدعو إلى مقاومته، ورد الأمر إلى الخليفة الشرعي (١).

وكان المنصور يقظاً، فلم يفته شىء من خطط صبح وأعوانها. وكان أول همه أن يرفع يدها عن الأموال، التي أخذت تفتن في تهريبها بواسطة فتيان القصر، وكان المنصور مريضاً، فبعث ولده عبد الملك في قوة من الجيش إلى قصر الخلافة بقرطبة، ومعه جمهرة من الفقهاء والوزراء، ثم دخل بهم إلى مجلس الخليفة،


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠٢، و" نبذ تاريخية في أخبار البربر " ص ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>