للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشاد شاعر العصر ابن دراج القسطلي بعبقرية المنصور وأهباته العسكرية ضد زيري بن عطية في قصيدة طويلة هذا مطلعها:

لك الله بالنصر العزيز كفيل ... أجد مقام أم أجد رحيل

هو الفتح أما يومه فمعجل ... إليك وأما صنعه فجزيل

وآيات نصر ما تزال ولم تزل ... بهن عمايات الضلال تزول

سيوف تثير الحق أنى انتضيتها ... وخيل يجول النصر حيث تجول

ومنها:

لئن صديت الباب قوم ببغيهم ... فسيف الهدى في راحتيك صقيل

فإن يحيى فيهم بغي جالوت جدهم ... فأحجار داود لديك مثول

هدًى وتقى يؤدي الظلام لديهما ... وحق بدفع المبطلين كفيل

يجمع له منه قائد النصر عاجل ... إليه ومن حسن اليقين دليل

تحمل منه البحر بحراً من القنا ... يروع بها أمواجه ويهول

بكل معالاة الشراع كأنها ... وقد حملت أسد الحقائق غيل (١)

ودخل عبد الملك مدينة فاس ظافراً، في نهاية شوال سنة ٣٨٧ هـ (نوفمبر ٩٩٧ م) وكتب إلى أبيه المنصور بالفتح، فكتب إليه بعهده على المغرب، وعاد واضح بالجيش إلى قرطبة. ولبث عبد الملك والياً للمغرب ستة أشهر فقط، نظم خلالها شئونه، ووطد أمره، ثم عاد إلى الأندلس، وخلفه على المغرب عيسى ابن سعيد صاحب الشرطة، فلبث في ولايته حتى أوائل سنة ٣٨٩ هـ. ثم أقيل وخلفه الفتى واضح.

وفي تلك الأثناء كان زيري بن عطية قد جمع فلوله من قوات زناتة، ووافته جموع كثيرة من مغراوة، وكانت صنهاجة قد اختلفت على أمرها، فانتهز زيري هذه الفرصة وزحف شرقاً على بلاد صنهاجة، وأوغل فيها، واستولى على تاهرت وتلمسان وبعض بلاد الزاب، وأقام بها الدعوة لهشام المؤيد وللمنصور، ثم كتب إلى المنصور يتقرب إليه ويسترضيه، ويؤكد حسن طاعته من جديد، فعفا عنه المنصور، وأعاده لولاية المغرب، بيد أنه لم يعش طويلا فتوفي في سنة ٣٩١ هـ (١٠٠١ م)، متأثراً بجراحه التي أصابته في موقعة وادي منى. وخلفه في


(١) وردت هذه القصيدة في ديوان ابن دراج المشار إليه (ص ٣ - ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>