للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الولاية ولده المعز. فأقره المنصور، ولبث المعز والياً للمنصور، مقيماً على دعوة بني أمية، يعمل على توطيدها بالمغرب، إلى أن اضطرب حبل الخلافة بالأندلس (١).

* * *

وبينما كان عبد الملك المنصور بالمغرب يتم إخضاع زيري وشيعته، كان المنصور يتخذ الأهبة لأعظم غزاته. وكانت منطقة جلِّيقية في قاصية اسبانيا الغربية، تعتبر لنأيها ووعورتها، أمنع مناطق اسبانيا النصرانية، وأبعدها عن متناول الفاتحين. ولم يفكر أحد من الغزاة المسلمين، منذ أيام طارق أن يقصد إلى تلك المنطقة الجبلية الوعرة، لما يعترض الوصول إليها من الصعاب الهائلة.

ولكن المنصور اعتزم أن يسير إلى جليقية لسببين: الأول أنها كانت ملاذاً وملجأ لملوك ليون، يمتنعون به كلما أرهقتهم الغزوات الإسلامية، والثاني أنها كانت مستقراً لمدينة شنتياقب (أو شنت ياقب) الدينية، كعبة إسبانيا النصرانية ومزارها المقدس، ورمز زعامتها الروحية. وقد سبق أن عرضنا إلى نشأة هذه المدينة المقدسة، وإلى أسطورة القديس ياقب (أو يعقوب الحواري) التي اتخذت أساساً لإنشائها، وكيف زعمت الأسطورة أن قبر القديس يعقوب، قد اكتشف بمعجزة وقعت في هذه المنطقة، فأنشئت فوقه كنيسة، وأنشئت حول الكنيسة مدينة مقدسة، سميت باسم القديس، وغدت عاصمة اسبانيا الدينية، ومزاراً شهيراً يقصده النصارى من سائر الأنحاء (٢). وقد شاء المنصور أن يضرب اسبانيا النصرانية في صميم معقلها القاصي، وفي صميم زعامتها الروحية، بغزو جليقية، واقتحام مدينتها المقدسة. فخرج من قرطبة في الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة ٣٨٧ هـ (٣ يوليه ٩٩٧ م) على رأس قوى الفرسان، وفي الوقت نفسه تحرك الأسطول الأندلسي، الذي أعده المنصور لهذه الغزوة الكبرى، من مرساه أمام قصر أبي دانس Alcacer do sal في مياه البرتغال الغربية، شمالا بحذاء الشاطىء البرتغالي، يحمل المشاة والأقوات والذخيرة؛ واخترق المنصور اسبانيا الغربية شمالا، وهو يعبر الجبال والأنهار العظيمة تباعاً، حتى وصل إلى مدينة


(١) راجع حوادث المغرب في البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠٢، وابن خلدون ج ٧ ص ٣٣، والإستقصاء ج ١ ص ٩٣ و٩٤، و" نبذ تاريخية في أخبار البربر " ص ٣٠ - ٣٥.
(٢) راجع تفاصيل ذلك في القسم الأول من العصر الأول من " دولة الاسلام في الأندلس " ص ٢٢٠ و٢٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>