للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قورية؛ ثم زحف نحو الشمال الغربي، واستولى في طريقه على مدينتي بازو وقلمرية (١). وهنا وفد على المنصور، عدد كبير من القوامس (الكونتات) النصارى المعترفين بطاعته، وهم الواقعة أملاكهم في أراضي البرتغال ما بين نهري دويرة ومنيو، وانضموا مع قواتهم إلى جيشه. ثم سار المنصور شمالا حتى وصل إلى نهر دويرة، وهنالك وافاه الأسطول، مخترقاً النهر من مصبه عند ثغر بورتو، فجعل منه جسراً مريحاً لعبور جيشه وعدده وأقواته، واتجه الجيش الإسلامي بعد ذلك صوب جلِّيقية، وهو يقتحم السهل والوعر في شعب الجبال، ثم عبر نهر منيو (منهو)، وسار بحذاء شاطىء المحيط، واستولى في طريقه على بعض الحصون، وخرب عدداً من الأديرة التاريخية في تلك المنطقة. وكانت جموع كبيرة من النصارى، قد فرت إلى الجزائر المقابلة للشاطىء، فعبر المسلمون إليهم من بعض المخائض وأسروا معظمهم، واخترقوا مفاوز الجبال المجاورة للمحيط، واستخرجوا من لجأ إليها من النصارى، واستصفوا غنائمها؛ ثم اقتحموا الجبال إلى السهل، وخربوا بلدة إيليا (إيريا) ونهبوها، وهي أيضاً من المزارات الدينية الشهيرة. وأشرف المسلمون على مدينة شنت ياقب في يوم الأربعاء الثاني من شعبان (١١ اغسطس)، فوجدوها خالية من أهلها، وكانوا قد غادروها حين اقتراب الغزاة، فدخلها المسلمون، وهدموا أسوارها وصروحها التاريخية، وكنيستها العظمى، واستولوا على سائر ما فيها من الذخائر والتحف، وأمر المنصور بصون قبر القديس ياقب القائم وسط الكنيسة العظمى، والمحافظة عليه. ولم يجد المنصور بالكنيسة إلا شيخاً من الرهبان يجلس على القبر فسأله عن مقامه، فقال أؤانس يعقوب، فتركه وأمر بالكف عنه. وأخذ المسلمون أبواب المدينة، ونواقيس الكنيسة العظمى، وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، فوضعت الأبواب فيما بعد، في سقف الزيادة التي أنشأها المنصور بالمسجد الجامع، وعلقت به النواقيس رؤوساً للثريات الكبرى (٢).

وسار المنصور بعد ذلك مخترقاً أراضي برمودو التي امتنع بها وعاث فيها.


(١) هما بالإفرنجية على التوالي Viseu و Coimbra.
(٢) تتبعنا حوادث هذه الغزوة حسبما أوردها ابن عذارى في البيان المغرب ج ٢ ص ٣١٦ - ٣١٩. وراجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٨١، وأعمال الأعلام ص ٦٧ و٦٨، ونفح الطيب ج ١ ص ١٩٣ - ١٩٥. وكذلك Cronica General ; ibid ; Vol. II. p. ٤٤٨ & ٤٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>