للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البيان المغرب، أن المنصور قام بغزوة إلى نافار في سنة ٣٨٩ هـ (٩٩٩ م) (١)، وفي العام التالي أعني في سنة ٣٩٠ هـ (١٠٠٠ م) سار المنصور إلى أراضي قشتالة في جيش ضخم، وذلك أن الملوك والأمراء والنصارى " من حيز بنبلونة إلى أسترقة "، اتفقوا جميعاً بزعامة سانشو غرسية كونت قشتالة، على مقاومة المنصور والتفاني في قتاله، وحشد سائر أمراء البشكنس وقشتالة وليون قواتهم، وجمع سانشو غرسية سائر قواته في وسط قشتالة، في وادي دويرة الأدنى خلف الحاجز الجبلي الوعر المسمى " صخرة جربيرة " Pena Cervera، وتعاهد الملوك والأمراء النصارى على الثبات وعدم الفرار. ورأى المنصور كعادته أن يبادر أعداءه بالقتال، فسار في قواته تواً إلى مدينة سالم، ونفذ شمالا إلى أراضي قشتالة حيث يرابط أعداؤه، فلما أشرف على صخرة جربيرة، هاله ما رأى من وعورتها، وحصانة المراكز التي يحتلها العدو، ووفرة جموعه وعدده. ورأى سانشو أن يعجل بمهاجمة المسلمين، قبل أن يوطدوا مراكزهم، فاندفع النصارى في هجوم عنيف خاطف على المسلمين، فاضطربت ميمنة المسلمين وميسرتهم، ودب الخلل إليهم، وعمد إلى الفرار كثير منهم، وكادت تدور عليهم الدائرة. ولكن القلب، وكان يقوده ابنا المنصور عبد الملك وعبد الرحمن، ويتألف معظمه من فرق البربر القوية الباسلة، صمد أمام الموجة الهائلة، وهرع المنصور إلى رابية مشرفة على الموقعة، ومن ورائه خاصته وحاشيته، وهو يحث رجاله وقادته على الثبات، فلم يمض سوى قليل حتى انقلبت الآية، وارتد، العدو في غير نظام، وتمكن أحد الزعماء البربر من قتل أحد كونتات بني غومس (٢) وجاء برأسه؛ فضاعف المسلمون جهودهم، وشددوا الوطأة على النصارى، وأمعنوا فيهم قتلا وأسراً، وطاردوهم إلى عدة مراحل حتى مزقوهم شر ممزق.

وكانت هذه الوقيعة في اليوم الرابع والعشرين من شهر شعبان سنة ٣٩٠ هـ (٣٠ يوليه سنة ١٠٠٠ م). وخسر المسلمون في الموقعة أكثر من سبعمائة قتيل.

وتابع المنصور زحفه في أراضي قشتالة، وهو يدمر كل شىء في طريقه،


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٣٢١.
(٢) بني غومس يسمون كذلك في الرواية العربية، وهم أبناء غومس دياث Gomez Diaz أحد زعماء ليون. وقد تزوج ابنة كونت قشتالة فرنان كونثالث، وأصبحوا خلفاء له، وكانت أملاكهم في سالدانيا وكريون وسمورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>