للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى اقتحم عاصمتها " برغش " وذلك في يوم عيد الفطر (٤ سبتمبر)، ثم واصل سيره إلى سرقسطة، وقام من هنالك بغزوة في أراضي نافار، حتى أشرف على عاصمتها بنبلونة. وكل ذلك دون أن يجرأ أحد من النصارى على الوقوف في سبيله.

ثم عاد إلى قرطبة وقد أنفق في هذه الغزوات مائة يوم وتسعة أيام. ووجه على أثر عوده إلى قواده، كتاباً ليقرأوه في الجيش. وفيه ينحى المنصور باللائمة على جنده، لما بدا منهم من التخاذل والنكوص، ويذكرهم بأنه لولا شجاعة فئة قليلة، منهم، عاونت بثباتها على إحراز النصر ومحو العار، لانتهى بإقالتهم جميعاً (١).

وكان لهذه الغزوة، وما لابسها من الظروف الدقيقة، أعظم وقع في الأندلس.

وكان لنصر جربيرة مغزى أعمق من أي نصر أحرزه المنصور. وفيه يقول صاعد شاعر المنصور مهنئاً، من قصيدة تعتبر من غرر قصائده:

جددت شكري للهوى المتجدد ... وعهدت عندك منه ما لم يعهد

اليوم عاش الدين وابتدأ الهدى ... غضاً وعاد الملك عذب المورد

ووقفت في ثاني حنين وقفة ... فرأيت صنع الله يؤخذ باليد

من فاته بدر وأدرك عمره ... جربير فهو من الرحيل الأسعد

خملت ميامنهم عليك نشيجة ... كالسيل يحطم جلمداً عن جلمد

ما ناجزوك وفي الجوانح موضع ... لتصبُّر ومكانة لتجلُّد

طال الشقاء عليهم وتبرموا ... بالجيش في الذل المقيم المقعد

فتحالفوا لمحنث وتجمعوا ... لمفرق وتألفوا لمبدد

وفي ربيع سنة ٣٩٢ هـ (١٠٠٢ م) خرج المنصور إلى الغزو لآخر مرة، فاخترق أراضي قشتالة شمالا، ووصل في زحفه حتى بلدة قناليش الواقعة جنوبي ناجرة، ثم سار غربا في اتجاه برغش وعاث في تلك المنطقة (٢). ولا تقدم الرواية الإسلامية عن هذه الغزوة تفاصيل أخرى، ولا تحدثنا بالأخص عن أية موقعة حاسمة، وقعت بين المسلمين والنصارى. ولكن بعض الروايات النصرانية الإسبانية القديمة، تذكر لنا في هذا الموطن، أن القوات النصرانية المتحدة، المكونة من جيوش برمودو ملك ليون، وغرسي فرناندز كونت قشتالة،


(١) راجع في تفاصيل هذه الموقعة الشهيرة: أعمال الأعلام ص ٦٩ - ٧٢.
(٢) راجع الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب (طبعة القاهرة القديمة) ج ٢ ص ٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>