للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيام فخار وظفر ورخاء ورغد، لم تعان خلالها من غزوات العدو المخربة، ولم تصب فيها بأية هزيمة ذات شأن، ولم تضطرم فيها أية ثورة أو فتنة، وفيها ازدهرت الزراعة والتجارة والصناعة، وزهت العلوم والآداب، وعم الخصب والرخاء في جنبات الأندلس، وفاضت خزائن قرطبة بالأموال، ووصل محصل الجباية يومئذ إلى أربعة آلاف ألف دينار (أربعة ملايين) سوى رسوم المواريث، وسوى مال السبي والغنائم، وما ينتج من المصادرات وأمثالها مما لا يرجع إلى قانون.

وكانت النفقات السلطانية تبلغ في الشهر نحو مائتي ألف دينار، فاذا دخل شهر يونيه، وحلت الصائفة، تضاعفت النفقة بسب الاستعداد للغزو، ووصلت إلى خمسمائة ألف في الشهر أو أكثر (١).

وكانت حكومة المنصور تضم عدة من أقدر رجالات الأندلس في هذا العصر ما بين وزراء وكتاب. وكان من وزرائه، أبو مروان عبد الملك بن شهيد، ومحمد بن جَهور، وعيسى بن فُطيس، وأبو عبد الله بن عياش، وأحمد بن محمد ابن حدير، ومحمد بن حفص بن جابر، وأحمد بن سعيد بن حزم والد الفيلسوف الشهير، وكان من أقدر وزراء المنصور وآثرهم لديه، وكان المنصور قد استوزره قبل سائر أصحابه في سنة ٣٨١ هـ، وبلغ من ثقته به أن كان يستخلفه على المملكة في أوقات معينة، ويعهد إليه بخاتمه؛ والظاهر أنه لما بلغ ذروة النفوذ والسلطان، شمخ بأنفه، وبدرت منه بوادر الدالة والاعتداد، فتغير عليه المنصور، وأقصاه عن خدمة الوزارة، وبعثه إلى كورة الغرب لينظر في شئونها، ثم عاد بعد قليل فأعاده إلى حسن رأيه، ورده إلى منصبه في الوزارة، وكان ابن حزم من أكابر أهل العلم والبلاغة (٢). وكان من كتاب المنصور عيسى بن سعيد القطاع، وهو من أقدم كتابه، وكان من أنصاره ومعاونيه منذ أيام الحكم، فبلغ في ظله وتحت كنفه أرفع مكانة، وكان فوق ذلك من أخصائه ورفاقه في مجالس أنسه ترتفع بينهما الكلفة؛ وكان منهم، أبو مروان عبد الملك بن إدريس الخولاني، وخلف ابن حسين بن حيان والد المؤرخ، وغيرهم. وكانت هذه الصفوة من الوزراء والكتاب، الذين ينتمي معظمهم إلى أسر عريقة تعاقب أبناؤها في الوزارة، مثل آل شُهيد، وآل عبدَة، وآل جَهور، وآل فُطيس، وآل حُدير وغيرهم،


(١) أعمال الأعلام ص ٨٩.
(٢) كتاب " إعتاب الكتاب " لابن الأبار - مخطوط الإسكوريال - لوحة ٥٣ و٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>