للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحدى وعشرين ربضاً " كل ربض فيها يعد أكبر مدينة من مدائن الأندلس ".

وقد ذكر ابن الخطيب لنا أسماءها ومواقعها تفصيلا، وبلغ خندقها المحيط بها ما عدا ناحية النهر سبعة وأربعين ألف وخمسمائة ذراع أي ستة عشر ميلا (١)، وزاد سكانها في نفس الوقت زيادة كبيرة، ولاسيما منذ مقدم طوائف البربر الكثيرة عليها، في بداية عهد المنصور، وضاقت رحبات المسجد الجامع برواده، ولاسيما في أيام الجمع. فرأى المنصور أن يقيم للجامع من ناحيته الشرقية جناحاً جديداً، لأن ناحيته الغربية كانت متصلة بالقصور الملكية. وشرع في إنشاء هذا الجناح في سنة ٣٨٧ هـ (٩٩٧ م)، فأقيم بحذاء الجامع من شماله إلى جنوبه، على رقعة شاسعة تكاد تعدل مساحته الأصلية، وروعيت في إنشائه البساطة والمتانة قبل الزخرفة، كما روعي التماثل والمطابقة للصرح القديم؛ ونزعت من أجل ذلك ملكية عدد كبير من الأماكن والدور، حرص المنصور على أن ينصف أصحابها فيما يستحقونه من ثمن أو معاوضة. وتضاعف حجم المسجد الجامع بهذه الزيادة، وأضحى يحتل رقعة عظيمة شاسعة تبلغ في الطول مائة وثمانين متراً، وفي العرض مائة وخمسة وثلاثين متراً. وكان يشتغل فيه عدد كبير من الأسرى النصارى، الذين أخذوا في مختلف المعارك. وكان المنصور يشترك بنفسه أحياناً في أعمال البناء. وبلغ عدد سواريه ما بين كبيرة وصغيرة، ألف وأربعمائة وسبعة عشرة، وبلغت ثرياته ما بين صغيرة وكبيرة مائتان وثمانون، وبلغ عدد المكلفين بالخدمة به في عهد المنصور، ما بين أئمة ومقرئين وأمناء ومؤذنين وسدنة وغيرهم مائة وخمسون شخصاً، وكان الجامع وما حوله يعتبر وحده ربضاً مستقلا يتولاه عريفه وحراسه على حدة (٢). ومازال جناح المنصور بمسجد قرطبة الجامع حتى اليوم، قائماً بسائر رحابه وعقوده وسواريه، وذلك بالرغم من تحويل عقوده الجانبية إلى كنائس وهياكل، ويعرفه الأثريون " بمسجد المنصور " (٣).

وجدد المنصور قنطرة قرطبة القائمة على نهر الوادي الكبير، وراء المسجد


(١) أعمال الأعلام ص ١٠٣.
(٢) أعمال الأعلام ص ١٠٣.
(٣) راجع في زيادة المنصور للمسجد الجامع، البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠٦ - ٣٠٨، ونفح الطيب ج ١ ص ٢٥٧. وراجع كتابي " الآثار الأندلسية الباقية " حيث يوصف جامع قرطبة بحالته الحاضرة تفصيلا الطبعة الثانية (ص ٢٠ - ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>