للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجامع، وكانت في الأصل قنطرة رومانية، فجددها السمح بن مالك أمير الأندلس ثم جاء المنصور فجددها، وأعاد بناءها، وذلك في سنة ٣٧٨ هـ (٩٨٨ م)، وتم بناؤها في سنة ونصف، وبلغت النفقة عليها مائة وأربعين ألف دينار، وعظم بها نفع القرطبيين.

وابتنى المنصور كذلك قنطرة إستجة على نهر شنيل، فرع الوادي الكبير، واقتضى إنشاؤها كثيراً من الجهد والنفقة، ولكنها حققت تسهيلات عظيمة، في مواصلات قرطبة بالقواعد والولايات الغربية والجنوبية (١).

* * *

وكان المنصور، على الرغم من صرامته، وما لجأ إليه لتوطيد حكمه من الوسائل المثيرة، يتسم بصفات عديدة مؤثرة؛ فقد كان جواداً وافر الجود والبذل، يغدق صلاته على من يستحقها من العاملين معه والمتصلين به، وعلى الفقراء وذوي الحاجات، وله في ذلك حكايات كثيرة.

وكان يفاخر بنشأته المتواضعة، ويقلل من شأن نفسه. وذكر المؤرخ ابن حيان في كتابه في " أخبار الدولة العامرية " عن والده خلف بن حيان كاتب المنصور، أن المنصور لامه ذات يوم لأمر من الأمور، فبدا عليه الفزع، فأشفق عليه المنصور وهدأ من روعه, ثم خلا به بعد أيام وقال له: " رأيت من ذعرك ما استنكرت، ومن وثق بالله برىء من الحول، والقوة لله، وإنما أنا آلة من آلاته أسطو بقدرته، وأعمل عن إذنه، ولا أملك لنفسي إلا ما أملك، ... فطمئن جأشك، فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوت بثمن غزلها، أغدو به إلى السوق، وأنا أفرح الناس بمكانه، ثم جاء من أمر الله ما تراه، ومن أنا عند الله لولا عطفي على المستضعف المظلوم، وسيري لجهاد الطاغية " (٢).

وكان ورعاً، شديد الإيمان واليقين، يخشى ربه، ويزدجر إذا ذكر الله وعقابه. وكانت هذه أعجب الخلال في رجل كالمنصور، لم يعف عن سفك الدماء في سبيل تحقيق أطماعه. ولكنها حقيقة تنوه بها الرواية الإسلامية وتؤكدها، ومن دلائلها أن المنصور، كان يحمل معه في سائر غزواته وأسفاره مصحفاً


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٣٠٩، ونفح الطيب ج ١ ص ١٩١، وأعمال الأعلام ص ٧٦
(٢) إعتاب الكتاب لابن الأبار - مخطوط الإسكوريال - لوحة ٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>