وللمنصور شعر جيد، نظمه في مختلف مناسبات حياته، ومن ذلك قوله في الفخر:
رميت بنفسي هول كل عظيمة ... وخاطرت والحر الكريم يخاطر
وما صاحبي إلا جنان مشيع ... وأسمر خطى وأبيض باتر
وإني لزجاء الجيوش إلى الوغى ... أسود تلاقيها أسود خوادر
فسدت بنفسي أهل كل سيادة ... وفاخرت حتى لم أجد من أفاخر
وما شدت بنياناً ولكن زيادة ... على ما بنى عبد المليك وعامر
رفعنا العوالي بالعوالي مثلها ... وأورثناها في القديم معافر
وقوله يتهدد الفاطميين بمصر، ويمني نفسه بفتح مصر والشأم:
منع العين أن تذوق المناما ... حبا أن ترى الصفاء والمقاما
لي ديون بالشرق عند أناس ... قد أخلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأماني وإلا ... جعلوا دونها رقاباً وهاما
عن قريب ترى خيول هشام ... يبلغ النيل خطوها والشاما
وأما عن نثر المنصور، فقد رأينا أن نورد نموذجاً له، وصيته لولده عبد الملك حينما حضرته الوفاة، وقد نقلها إلينا ابن حيان عن أبيه خلف بن حسين، وهذا نصها:
" يا بني: لست تجد أنصح لك، ولا أشفق عليك مني، فلا تعديَّن وصيتي، فقد جردت لك رأيي ورويتي، على حين اجتماع من ذهنى، فاجعلها مثالا بين عينيك. وقد وطأت لك مهاد الدولة، وعدلت لك طبقات أوليائها، وغايرت لك بين دخل المملكة وخرجها، واستكثرت لك من أطعمتها وعددها، وخلفت لك جباية تزيد على ما ينوبك لجيشك ونفقتك، فلا تطلق يدك في الإنفاق، ولا تقيض لظلمة العمال، فيختل أمرك سريعاً، فكل سرف راجع إلى اختلال لا محالة، فاقصد في أمرك جهدك، واستثبت فيما يرفع أهل السعاية إليك، والرعية قد استقصيت لك تقويمها، وأعظم مناها أن تأمن البادرة، وتسكن إلى لين الجنبة. وصاحب القصر قد علمت مذهبه، وأنه لا يأتيك من قبله شىء تكرهه، والآفة ممن يتولاه ويلتمس الوثوب باسمه، فلا تنم عن هذه الطائفة جملة، ولا ترفع عنها سوء ظن وتهمة، وعاجل بها من خفته على أقل بادرة، مع