للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقدمه) وأذكاهم جناناً، وأتمهم جلالا، وأعظمهم استقلالا. قام بتدبير الخلافة، وأقعد من كان له فيها إنافة. وساس الأمور أحسن سياسة، وداس الخطوب بأخشن دياسة، فانتظمت له الممالك، واتضحت به المسالك، وانتشر الأمن في كل طريق، واستشعر اليمن كل فريق. وملك الأندلس بضعاً وعشرين حجة، لم تدحض لسعادتها حجة، ولم تزخر لمكروه بها لجة، وكانت أيامه أحمد أيام، وسهام بأسه أشد سهام " (١).

ويجمل ابن حيان حياة المنصور في تلك الفقرة: " وامتثل رسم المتغلبين على سلطان ولد العباس بالمشرق من أمراء الديلم في عصره. فنال بغيته، وتهنأ معيشته، وأورثه عقبه بعده، عن غير اقتدار عليه، بجند خاص، ولا صيال بعشيرة، ولا مكابرة بمال وعدة، بل رمى الدولة من كنانها، وعدا عليها بأعضادها، وانتضلها بمشاقصها، وأنفق على ضبطها أموالها وعددها، حتى حولها إليه وسبكها في قالبه، وسلخ رجالها برجاله، وعفى رسومها بما أوضح من رسومه " (٢).

هذا، وقد أشاد ابن الخطيب بخلال المنصور في مواطن وفقرات عديدة نقتطف منها ما يلي:

قال مشيراً إلى ولاية هشام: " فاستقر الأمر لهشام، يكنفه الحاجب المنصور أسعد أهل الأندلس مولداً، وأشهرهم بأساً ونداً، وأبعدهم في حسن الذكر مداً، الحازم العازم، العظيم السياسة، الشديد الصلابة، القوي المنة، الثبت الموقف، معود الإقبال، ومبلغ الآمال، الذي صحبته ألطاف الله الخفية في الأزمات، واضطرد له النصر العزيز في نحو سبع وخمسن من الغزوات، ولم تفارقه السعادة حالتي المحيا والممات ".

وقال: " فقد أجمع الشيخة أنه نهض بجد لا كفاء له، وأصحب سعداً لا نحس يخالطه، وأعطى إقبالا لا إدبار معه، قد وثق بذلك فلم يلتفت إلى غيره ... "

" وكان مهيباً وقوراً، فإذا خلا كان أحسن الناس مجلساً، وأبرهم بمن يحضر منادماً ومؤانساً، وكان شديد القلق من التبسط عليه، والدالة، والامتنان،


(١) نقله البيان المغرب ج ٢ ص ٢٩٢، والمقري في نفح الطيب ج ١ ص ١٨٩.
(٢) نقله صاحب الذخيرة. القسم الرابع المجلد الأول ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>