للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى قصر الزاهرة، فلما وقعت عين سانشو على حفيده، ترجل وقبل يده ورجله، ثم رافق الركب إلى الزاهرة، وقد اصطفت الجند على طول الطريق في صفوف كثيفة زاهية كاملة السلاح والعدة، واصطف الوصفاء والصقالبة من باب القصر إلى الداخل صفين. وسار سانشو، وقد بهره كل ما رأى، حتى وصل إلى مجلس المنصور في عصر ذلك اليوم، وقد جلس المنصور في هيئة فخمة، ومن حوله الوزراء وأعاظم رجال الدولة؛ فلما أبصره سانشو هوى إلى الأرض فقبلها مرات متوالية، ثم قبل يدى المنصور ورجليه، فأمره بالجلوس على كرسي مذهب خصص له، ثم انصرف الناس واختلى الملك النصراني بالمنصور، وأفضى كل إلى صاحبه بما أراد، ثم خرج سانشو وفي أثره الخلع السلطانية، وما انفض المجلس إلا عند دخول الليل.

وكان مقدم سانشو غرسية إلى قرطبة، واستقباله بها، من أيام الأندلس المشهودة، وقد أعاد بروعته وما اقترن به من مغزى عميق بظفر الإسلام على أعدائه، ذكرى أيام الناصر في وفود الملوك النصارى عليه، ملتمسين منه الصلح والمودة (١).

* * *

وقد أجمعت الرواية الإسلامية، الأندلسية والمشرقية، على الإشادة بخلال المنصور وباهر صفاته. وهي جميعاً سواء أوجزت القول أو أفاضت، تنم عن عميق التقدير والإعجاب، ثم هي مع ذلك لم تغفل التنويه بالجوانب القاتمة في تلك العبقرية الفذة، على أنها على العموم أكثر ميلا إلى إبراز محاسن المنصور ومواهبه، والإشادة بما أسبغته على الأمة الأندلسية من ضروب العظمة والبهاء.

قال ابن الأثير يصف المنصور: " وكان شجاعاً، قوى النفس، حسن

التدبير، وكان عالماً محباً للعلماء، يكثر مجالستهم ويناظرهم، وقد أكثر العلماء

ذكر مناقبه، وصنفوا لها تصانيف كثيرة " (٢). وقال ابن خلدون " وكان

ذا عقل ورأي وشجاعة، وبصر بالحروب، ودين متين " (٣). ويصفه الفتح

ابن خاقان في " المطمح " في تلك العبارات الشعرية: " وكان أمضاهم (يعني من


(١) أورد لنا ابن الخطيب في " أعمال الأعلام " وصفاً شائقاً لهذا الحادث. ص ٦٦ و٧٣ و٧٤.
(٢) ابن الأثير ج ٩ ص ٦١.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>