للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسبانيا المسلمة، وتغدو بالرغم من نشأتها المتواضعة شيئاً فشيئاً، أعظم الممالك النصرانية رقعة، وأوفرها قوة ومنعة، وأشدها مراساً في محاربة المسلمين، وانهاك قوى المملكة الإسلامية.

واستمر سانشو حيناً يحكم في ظروف صعبة من جراء ثورات الزعماء والأشراف الخارجين عليه، وكان بعد أن عقد الصلح مع الحكم، قد أرسل إليه تحقيقاً لرغبة زوجه تريسا، وأخته الراهبة إلبيرة، سفارة يطلب إليه الإذن بنقل رفات القديس بلايو إلى ليون. وكان نصارى قرطبة قد عنوا بنقل رفات هذا القديس من الوادي الكبير، فأجاب الخليفة سؤله، ونقلت الرفات في العام التالي في حفل فخم، وأودعت ليون بكنيسة خاصة أقامها الملك، وسماها دير سان بلايو. ولم يحضر سانشو هذا الحفل لانشغاله بمقاومة الخوارج عليه. وكان من أشد خصومه والمحرضين عليه الحبر سسناندو أسقف شنت ياقب؛ وكان هذا الأسقف قد حصن مدينته وقصره الأسقفي، بحجة حمايتها وحماية مزار القديس ياقب من غارات النورمان، ولكنه أعلن العصيان، وعبثاً حاول سانشو استرضاءه، بيد أنه اضطر أخيراً أن يفتح مدينته للملك حينما رأى فشل الزعماء الخارجين في مقاومته.

وكان بين الزعماء الخارجين عليه من الأشراف وأشدهم مراساً، الكونت جوندسالفو (غندشلب) سانشيز حاكم جليقية، وكان قد استطاع أن يوطد استقلاله في المنطقة الواقعة بين نهري منيو ودويرة، وأن يبسط حكمه على لاميجو وبازو وقلمرية، الواقعة فيما وراء دويرة شمالي ولاية البرتغال، فسار سانشو لقتاله، ولكنه حينما عبر نهر منيو بقواته، ألفى رسل الزعيم الثائر يعرضون عليه التسليم والطاعة، مع رجاء واحد فقط هو أن يأذن الملك بمقابلة الكونت، فقبل سانشو. وكان الكونت قد دبر مشروعاً دنيئاً لاغتياله. فدعاه إلى مأدبة أقامها وقدم إليه فاكهة مسمومة تناولها سانشو دون أن يخامره الريب، وسرعان ما شعر بدبيب الموت يسري إلى أحشائه، فحمل في الحال إلى ليون وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ودفن بها تحقيقاً لرغبته، وكان ذلك في سنة ٩٦٦ م (١).

وهكذا توفي سانشو ملك ليون مسموماً، بعد أن حكم اثنتي عشرة سنة، فخلفه ولده راميرو الثالث، طفلا في الخامسة من عمره تحت وصاية عمته الراهبة


(١) Modesto Lafuente ; ibid, T. II. p. ٣٤١-٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>