للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الناحية الأخرى خلة قاتمة، هي شغفه بمعاقرة الشراب وانهماكه في لذاته (١).

افتتح عبد الملك المنصور عهده، بإجراء كان له في نفوس الناس أطيب وقع؛ وذلك أنه أسقط سدس الجباية عن سائر الناس، في سائر بلاد الأندلس. فكان لذلك أثره في التخفيف عن الناس، والرفق بهم، وبث شعور الرضى والاستبشار بالعهد الجديد.

وحذا عبد الملك حذو أبيه المنصور نحو المغرب، في تأييد زناتة ومغراوة، والإبقاء على ولائهم. وكان المنصور حينما توفي زيري بن عطية زعيم مغراوة، في سنة ٣٩١ هـ، قد أقر ولده المعز حاكماً على المغرب حسبما قدمنا. فلما تولى عبد الملك الحجابة، أعلن المعز طاعته له، ودعى له على منابر المغرب، فكتب إليه عبد الملك بعهده، على سائر ما يملكه من أقطار المغرب (سنة ٣٩٣ هـ) على أن يؤدي إلى حكومة قرطبة، مقادير معينة من المال والخيل والدرق. واستمر المعز على الوفاء بعهوده، أيام عبد الملك وأخيه عبد الرحمن من بعده (٢).

واعتزم عبد الملك أن يسير على سنن أبيه في متابعة غزو الممالك النصرانية، وألا يترك لها فرصة لتذوق السلم والدعة. وكان الملوك النصارى قد تنفسوا الصعداء عند وفاة المنصور، واعتقدوا أن الظروف قد تتغير، وأن أخطار الغزوات الإسلامية قد تخبو، ولكن سرعان ما تبدد هذا الأمل. ذلك أنه لم تمض أشهر قلائل على تولية عبد الملك، حتى اتخذ الأهبة لغزوته الأولى، واستعد لها استعداداً خاصاً، ووفدت على قرطبة طوائف كبيرة، من الزعماء والمتطوعة من العدوة، للاشتراك فيها، وأجزل لهم عبد الملك الصلات والأرزاق، ووزع فيهم ما كان مخزوناً من السلاح.

وخرج عبد الملك بالجيش من مدينة الزاهرة، في شعبان سنة ٣٩٣ هـ (يونيه ١٠٠٣ م). وتصف لنا الرواية مشهد خروجه فتقول لنا إنه " خرج على الناس شاكي السلاح، في درع جديد سابغة، وعلى رأسه بيضة جديدة مثمنة الشكل مذهبة، شديدة الشعاع، وقد اصطفت القواد والموالي والغلمان الخاصة، في أحسن تعبئة، فساروا أمامه، وقد تكنفه الوزراء الغازون معه " (٣). وسار عبد الملك


(١) الببان المغرب ج ٣ ص ٣.
(٢) نفح الطيب ج ٢ ص ١٩٨، والاستقصاء ج ١ ص ٩٥.
(٣) البيان المغرب ج ٣ ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>