للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونفذ الجند في الحال إلى منازل عيسى وأصحابه، وصودر ما فيها، وقبض على أبناء عيسى وزجوا إلى السجن، وأرغم ولده عبد الملك على طلاق زوجته أخت الحاجب؛ وجدت الشرطة في أثر هشام بن عبد الجبار، حتى قبض عليه، ثم حمل إلى الزاهرة فأمر الحاجب باعتقاله في سجن أعد له، وهناك قتل خفية، ولم يسمع له خبر بعد ذلك قط.

وكان لمقتل الوزير عيسى بن سعيد أعمق وقع في قرطبة، لما كان له من رفيع المنزلة والسلطان، ولبثت الوفود أياماً تحضر إلى الزاهرة لمشاهدة رأسه (١).

وثاب المظفر بعد مقتل وزيره إلى نفسه، وعمل على جمع السلطة في يده، والحد من سلطة الوزراء والكتاب، ومراقبتهم ومحاسبتهم، وواظب على الجلوس بنفسه، وهجر اللهو والراحة؛ وكانت الأحوال المالية قد ساءت، مما أسرف فيه من النفقة والصلات، وبما أسقطه للناس من سدس الجباية، فاقتصد في النفقة، واجتهد في توفير المال، وتنمية الموارد، فنجحت المحاولة، وتحسنت الأحوال المالية في أواخر عهده (٢).

وقد أشرنا من قبل إلى طرف من أخلاق عبد الملك، وما جمعت من الصفات المشرقة والقاتمة معاً. ونزيد هنا ما رواه صاحب الذخيرة عن ابن حيان، من أن عبد الملك كان عرياً عن العلم والمعرفة والأدب، ولم يكن يجتمع في مجالسه سوى الأعاجم من الجلالقة والبربر ومن إليهم، ولم يكن يؤمها أحد من أهل المعرفة، من الأدباء والعلماء. بيد أنه مع ذلك لبث يسبغ رعايته على من كان يتصل منهم بأبيه من العلماء والأدباء والندماء وغيرهم، وأبقى لهم أرزاقهم ورواتبهم كما كانت ْأيام أبيه (٣). وكان يستمع إلى الشعر، ويصل الشعراء، وقد أبقى بالأخص على شاعر أبيه صاعد البغدادي، وجعله شاعراً ونديماً له. وكان من خواص شعرائه أيضاً أبو عمر بن دراج القسطلي، والكاتب الشاعر أبو حفص ابن برد. وقد أورد لنا صاحب البيان المغرب نبذاً من الشعر، نظمها صاعد وابن دراج تحقيقاً لرغبة


(١) راجع تفاصيل هذه المؤامرة وذيولها في الذخيرة، القسم الأول المجلد الأول ص ١٠٣ - ١٠٧، والبيان المغرب ج ١ ص ٢٧ - ٣٥.
(٢) البيان المغرب ج ٣ ص ٣٦، وأعمال الأعلام ص ٨٩.
(٣) الذخيرة - القسم الأول المجلد الأول ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>