المروانية هو هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر، وكان بينهما مودة وصداقة. وكاشف عيسى هشاماً بمشروعه، في إزالة بني عامر، وإزالة الخليفة هشام المؤيد. لعجزه وعقمه، وإقامته مكانه في الخلافة، ورد الأمر بذلك إلى بنى أمية. فاستجاب هشام إلى دعوته، وجرت بينهما المفاوضة بمنتهى التكتم والحذر. وكانت خطة عيسى، تتلخص في أن يدعو عبد الملك وأخاه عبد الرحمن وصحبه، إلى حفل عظيم يقيمه بالمنية التي وهبه عبد الملك إياها بقرب قصر الزاهرة، وذلك تيمناً بمولود رزق به ولده عبد الملك بن عيسى، وأن يحيط المنية بطوائف من رجاله المسلحين، فإذا حضر عبد الملك وأخوه وصحبه، انقض عليهم أولئك الرجال وقضوا عليهم جميعاً، وعندئذ يسير عيسى بصاحبه هشام إلى قصر الزاهرة فيجلسه فيه، ويأخذ له البيعة بالخلافة، وقد تقدم عيسى بالفعل بدعوته إلى عبد الملك فقبل الدعوة، وحدد بالفعل يوم الحفل.
ولكن سرعان ما اتصل خبر المؤامرة بعبد الملك، نقله رجل من ثقات عيسى إلى نظيف الفتى الصقلبي، فأبلغه فوراً إلى سيده. وفي رواية أن عبد الملك بادر في الحال فقتل عيسى. ولكن الرواية الراجحة هي أن عبد الملك وأخاه عبد الرحمن اتفقا على تدبير قتله، في مجلس شراب ينظم لهذا الغرض، ونظم المجلس بالفعل في بهو القصر الكبير المشرف على النهر، وذلك في ٢٠ ربيع الأول سنة ٣٩٧ هـ.
واستدعى الحاجب وزيره عيسى إليه؛ ومن غرائب القدر أن كان الوزير أيضاً يجلس مع بعض خاصته على الشراب، ومنهم الكاتب أبو حفص ابن برد، فبادر عيسى بالركوب إلى عبد الملك، ومعه بعض خاصته، فاستقبله عبد الملك بظاهر من الحفاوة. ثم أخذ بعد قليل في عتابه ومحاسبته على ما عزى إليه، ثم أغلظ له القول، وعيسى يعتذر ويحتج ببطلان ما نسب إليه، ويشدد القسم على ذلك، ويناشد حقن دمه. وفجأة جذب عبد الملك سيفه من جانب الفراش وشهره على عيسى، وطعنه في وجهه، فسقط على الأرض، فانهال عليه الجماعة طعناً بسيوفهم، ثم احتز رأسه ووضع جانباً؛ وقتل الجماعة أيضاً صاحبيه خلف ابن خليفة، وحسن بن فتح، وألقيت جثث الثلاثة في النهر، بعد أن وضعت في زنابيل مثقلة بالحجارة، وأمر عبد الملك بأن ينصب رأس عيسى على باب مدينة الزاهرة، عبرة للناس. وتركت معلقة في مكانها حتى انقضت الدولة العامرية،