للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لخصومه المقربين من الحاجب، سبل الدس والوقيعة في حقه. وقد كانت الذلفاء والدة الحاجب في الوقت نفسه تبغض الوزير، لأنه أيد ولدها عبد الملك في الزواج من قينة حسناء من جواريه هام بها، وكانت تعارضه في ذلك. والخلاصة أن عبد الملك أخذ يفقد ثقته في وزيره بسرعة، وقد كان فيما يبدو كثير التأثر بالوشاية، سريع التقلب والغدر، وأخذ الوزير من جانبه يشعر بهذا النقص في حظوته ويتوجس من عواقبه.

والظاهر أن عيسى بن سعيد، كانت تحدوه في نفس الوقت أطماع ومشاريع أخرى. فقد كان يشعر أنه غدا باجتماع سائر السلطات في يده، ومشايعة رؤساء الجند له، أقوى رجل في الدولة، وأنه يستطيع أن يقف في وجه بني عامر، وأن يغدو بطل المناهضة لحكمهم. والواقع أن حكم العامريين كانت تشتد وطأته على الناس يوماً بعد يوم. وكان عبد الملك جرياً على سنة أبيه المنصور، قد مضى في الاستظهار بالفتيان الصقالبة والبربر، وبلغ الفتيان في عهده نحو ألفي غلام، ووفد عليه كثير من البربر؛ وكان أهم من وفد إليه من زعمائهم زاوي بن زيري بن مناد الصنهاجي، عم أبي المعز بن باديس صاحب إفريقية، وزعيم الفرقة الخارجة عليه، وفد عليه مع إخوته، فاستقبلهم عبد الملك، وغمرهم بصلاته، واستمروا بقرطبة حتى وقعت الفتنة، وكان لهم في حوادثها شأن يذكر (١). وفي رواية أخرى أن وفود زاوي وقومه على الأندلس، كان في أواخر أيام المنصور، وأنه هو الذي أذن لهم في الجواز (٢). وكانت الأرستقراطية العربية تمقت هذا الإيثار للصقالبة والبربر، والاستظهار بهم، وترى فيه افتئاتاً على حقوقها ومكانتها، وكان كثير من الأسر العربية الكبيرة مثل آل حدير، وآل فطيس، وآل شهيد، وغيرهم، يتوقون إلى انتهاء حكم العامريين، ورد الأمر إلى بني أمية، وكان عيسى بن سعيد، وهو أيضاً من البطون العربية، يعتنق فكرتهم، ويعتقد أنه يستطيع أن يعمل على تحقيقها.

واعتزم عيسى بالفعل أن يعمل في هذا السبيل، واتجه ببصره إلى سليل من


(١) الذخيرة عن ابن حيان القسم الرابع المجلد الأول ص ٦١.
(٢) كتاب التبيان أو مذكرات الأمير عبد الله بن بلقين (القاهرة ١٩٥٥) ص ١٧، وابن خلدون ج ٦ ص ١٥٧ و١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>